شعار قسم مدونات

العطاء اللاواعي.. رصيد أوشك على النفاذ

blogs تأمل

اختار أحبهم إلى قلبك، تمنح المشاعر ألواناً بِغَيْرِ حساب، حتى أنك تجزل العطاء دون التفات لمؤشرات أرصدة عطاؤك، فجأة تدوي صفارات إنذار خزائنك العاطفية.. غضب لا مبرر.. ضيق بالصدر.. ووجه اتشح باللامبالاة.. هذا الدوي يرشدك.. ماذا بعد؟ أليس لنفسك عليك حق؟ ما لم تدركه أنك حين أعطيت كنت تترقب على نار هادئة لمقابل مجز.. متى يأتي؟، لماذا تأخر؟ ألن أوفي أجري بغير حساب؟

وبينما تظن أن عطاؤك لا حد له تأتي من اعماقك الرسالة "عفواً.. لقد نفذ رصيدكم" تصبح حينها على شفا جرف هار يغدو بك نحو متاهات عديدة، هل كان حقاً يحتاج كل هذا الاهتمام.. هل ثمن تضحياتك أم ظنها سمت وفطرة فطرك الله عليها؟ هل أصبح عطاؤك حقاً مكتسباً له وواجباً مستحقاً عليك؟ هل أدرك احتياجك لمجرد أنك قدمته له، دون أن تمد له يد العون وترشده لمفاتيح قلبك، بل وإنك قد تبالغ في التظاهر بالقوة التي لا يعتريها ضعف! هل تظنه عالماً بالغيب؟

عموما الطرف الأخر ليس هدف المقال هدف هذا المقال هو أنت. إلى متى ستظل قادرا على العطاء بمثالية مدعاة ورغبة سرابية في الكمال؟ أتمنى أن يحدث هذا قبل أن تفجع بإعلان إفلاسك العاطفي وتثور عليك أمواج بحار تمردك، فتفتش عن من تتعلق به من الغرق فلا تجد، حيث أن غالباً لا يجد المفلسون أحداً بجوارهم. الصراخ طلباً للنجدة خيراً من أنين الصامتين الذي لن ينجي من الغرق.

لا أحد ولا شيء يستحق أن يكون محور الحياة وإنما هم عباد أضعف وأعجز من أن يلبوا حاجتنا على الوجه الذي نرضاه حتى وإن أرادوا ذلك

قبل أن تنفذ خزائنك.. ويلتهمك عطاؤك، هلا التقطت معي كشافك ذو الضوء الساطع مقرباً إياه من أعماق ذلك الجب المظلم بين جنبات نفسك، ناظراً ومدققاً في خباياها محاولاً بجدية استيعاب صراعاتك الداخلية، فنفسك دوماً هي الأحق بعطائك والأولى باحتوائك. فبينما من أهم صفات الشخصية السوية قدرتها على التوازن بين العطاء والأخذ، مما يترتب عليه التصالح مع الأقدار والإحساس بمعنى الحياة.

ستجد أن الشخصية المضطربة غالباً ما تتأرجح إما على إحدى حواف عاطفة متطرفة أو بين عاطفتين متناقضتين تعطي فقط أو تأخذ فقط، تهمل أو تسيطر. ونهاية ذلك متوقعة لحالات الخيبة والخزلان مما يؤدي إلى حالة من اليأس واللامعنى. الاستقرار الوجداني براً آمناً ومطلباً لا نكاد نختلف عليه فدعونا نجدف صوبه ونحن على يقين أنه لا عطاء بغير أخذٍ ولا أخذٍ دون عطاء.

أولاً: أنا إنسان.. إذن أنا أحتاج

بدأت حياتك بالبكاء حين غابت أمك ولو للحظات معلناً حاجتك "للأمان"، قاومت العثرات ونهضت بعد كل سقطة حتى خطوت خطوات سيرك الأولى مشهراً حاجتك "للنجاح وإثبات الذات"، ترددت على المرآة لمدة ساعتين يوم الحفل مبلغاً عن حاجتك "لأن تكون مرئياً نائلاً للإعجاب". افهم احتياجاتك واقبلها.. اعترف بها وقدرها.. اسعى لتلبيتها بكل السبل المشروعة دون خجل أو تردد.

ثانيا : لا تضع كل البيض في سلة واحدة

فقدان عمل يصاحبة نوبة جنونية، خيانة يعقبها إنهيار، بعاد عزيز يصيب بمرض أو عزلة، تفقد شخصاً أو شيئاً فتصير غثاءاً. لا أحد ولا شيء يستحق أن يكون محور الحياة وإنما هم عباد أضعف وأعجز من أن يلبوا حاجتنا على الوجه الذي نرضاه حتى وإن أرادوا ذلك، لكن عسى قليل من الفطنة يقضي حاجتك ارفع شعار "الرضا بالمتاح" فببعض من هنا وبعض من هناك يمكنك إعادة شحن رصيدك. لعلك تسأل وهل هذا كافي…؟ والإجابة: "لا.. ليس كافياً"، فلن يكفيك ولن يشبع حاجاتك بالقدر الذي تحتاجه وفي أشد وقت للحاجة إلا الله، ولكن ربما تحتاج "كلمة السر" وهي أن توجه جميع أجهزة استقبالك نحو من لا تنفذ خزائنه والذي إذا أعطى أدهش.

ثالثاً: دُلهم إلى حاجاتك

رحم الله رفيقاً وجد روحي تنقض فأقامها! ربما تكثر في حياتك برفق كهذا بجمل بسيطة أو إشارات خفيفة الظل تُدل بها أحبابك وتعبر بها عن استحقاقك العاطفي "اشحني شكراً". محتاجة حضن… ما رأيك في هذا الزي الجديد؟.. هيا لنصلي معاً… أتدري إن فاجئتني بدعوة عشاء سأظل ممتنة لك أيام طوال.. أحببت تزينك اليوم أود أن أراه من وقت لأخر. لا تنس.. جهز جملك وتدرب عليها.

رابعاً : لا تُعطي إلا بشرط!

إن امتلأت فأفض وإلا فملئ خزائنك أولى! تأكد من إمتلاء خزائنك بالقدر الكافي الذي لن تذبل دونه روحك (لا تعطي شيكات بدون رصيد) وربما ساعدك في ذلك شيئان:
 – إدارة واعية لمشاعرك بين العطاء والأخذ:
وذلك بأن تفرق بين المواقف الداعمة والمواقف المستنزِفة، وأؤكد المواقف وليس الأشخاص فبالطبع لا يمكننا تصنيف شخص أياً كان على أنه داعم ومورد شحن على الدوام، ذلك على الرغم من أنه قد يوجد شخص يستنزفك دائماَ، فاحذره.

 – الاستثمار مضمون الأرباح لعطائك:
"بنك المشاعر" نعم المشاعر أيضاً بنكاً فهي تزداد بالإيداع وقد تفلس بسحبٍ غير واعٍ، إذن فدعونا نتكلم عن استثمار مضمون الربح. للتفرقة بين العطاء المستنزِف والعطاء مضمون الأرباح عليك أن توجه ترقبك للمقابل نحو السماء، وتغرس جذور قلبك في تربة النية الصادقة وترويها إخلاصاً فإن نبتت نبتة ضمان الربح بالكفاية بالله سبحانه و تعالى فاعطي عطاء من لا يخشى الفقر أو كما جاء في مُحكَم التنزيل "وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ۖ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَىٰ رَبِّ الْعَالَمِينَ"، فإن لم تنبت فهذه علامة العطاء المستنزِف وحينها فلعل إيقاف عطائك وتضحياتك لك أنفع.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.