شعار قسم مدونات

"هونها تهون".. فكما تراها تكون!

blogs حجاب

تفاجأت كثيراً من انطباعي الأول ورد فعلي تجاه ذلك الوجه الضاحك الذي رسمته صغيرتي على تلك الدوائر البيضاء بخلفية سريرها، كان الطبيعي في موقف مثل هذا أن أشعر بالوجع على كم النقود التي أنفقتها لشراء هذا السرير، تلقائيا كنت سأنادي عليها بصوت يعتليه الغضب وأفتح ملف قضية جديدة ما هذا؟ لماذا فعلت؟ كيف يمكننا علاج الأمر؟ ثم اتجه إلى موشح من تأنيب الضمير تأنيبا كفيلا أن يبكي ذاك الوجه الضاحك، ويرجف أيادي صغيرتي عن رسم أحلامها البيضاء. 

  
لم أفعل شيئا مما سبق، بل المدهش أنني ابتسمت وغمرتني السعادة أيضا، كان الوجه الضاحك قد سرَّب إلى داخلي قدرا من البهجة لم أستطع معه أن أغضب وبعدها راودتني أفكار إيجابية على غير العادة في مثل هذه المواقف مثل: "ياله من وجه مفعم بالسعادة والحيوية!"، "الحمد لله أن ابنتي تستطيع أن تشعر بالسعادة وتعبر عنها تعبيرا ريثما يسرب السعادة لمن حولها"، "مسكينة أنت يا صغيرتي ففي وسط كل هذا الحصار من الفرائض اليومية والنقد واللوم فإنك تقاومين من أجل البسمة والسعادة". أدركت حينها أننا وربما دون أن ندري نختار أدوارنا إما جلادون لا يرحمون، أو متفهمون متصالحون مع أنفسهم ومع من حولهم. 

  
* لم يسلم التقرير المطلوب منه.. ياله من موظف يستحق الخصم!
* تأخرت على الموعد.. يالها من امرأة كسولة!

    

علمنا دين الإسلام والسلام أن الحلم والأناة خصلتين يحبهما الله، فمهلاً ورفقاً بنفسك قبل الأخرون. لا تنجرف مع خواطرك الأولى.. تمهل دقيقة وإن احتاج الأمر غير موضعك

مجموعة من الأحكام المسبقة والتي وإن ظننا لوهلة أننا نصوبها نحو الأخرين، إلا إنها في واقع الأمر أسلوب حياة واتجاه ما نلبث إلا أن نتبعه مع ذواتنا وأنفسنا التي بين جبينا سواء وعينا ذلك أو لم نعه. إن كل موقف نتعرض له ويدفعنا نحو حكم ما أو تبني حالة شعورية محددة يحتاج منا إلى "معالجة" وحسن تقدير فبين التسرع والتروي، وبين آلية التفكير السلبي والتفكير الإيجابي وبين تشويه نفس وبناء نفس نخطو خطواتنا نحو انطباعات وأحكام أكثر إيجابية. 

  

مهلاً.. فإنك لم تدرك بعد:

تناولت الإبنة حجرا مدببا نقشت به رسالتها على سيارة أبيها، هرول الأب فابرحها ضربا حتى جرحت جرح غائر دائم أثره، عاد الأب للسيارة فوجد أن الرسالة اسمها واسم والدها وبينهما قلب! "ستتضح وتتجلى كل الأمور للرجل الذي لا يتسرع، فالتسرع أعمى."هكذا قال أحد مؤرخي اليونان. وعلمنا دين الإسلام والسلام أن الحلم والأناة خصلتين يحبهما الله، فمهلاً ورفقاً بنفسك قبل الأخرون. لا تنجرف مع خواطرك الأولى.. تمهل دقيقة وإن احتاج الأمر غير موضعك.. تأمل جميع الجوانب، فخلف الملامح وبين السطور أمور.

   

حول الندوب إلى نجوم:

"انطباع سيء ورد فعل سلبي يساوي ندب، أما انطباع جيد ورد فعل إيجابي فهو يعادل النجوم"

    
كل شخص نتعامل معه ونشعر منه بانطباع سيء تجاهنا أو نتلقى رد فعل صادم يتم تخزين صورة له بداخلنا على هيئة وحش كاسر مفترس أو صورة ملاذ رحمه ودرع آمن إن أحرزنا منه إنطباع جيد وفزنا منه برد فعل إيجابي..و إنه إن غلب في عالم الشخص الداخلي الوحوش المفترسة الكاسرة نتيجة ردود الأفعال القاسية التي تلقاها الفرد والأحكام المجحفة المسبقة التي صدرت  عليه فإن ذلك هو المريض النفسي الذي قد يصاب بالتوتر والاضطرابات النفسية التي قد تصل للاكتئاب ومن ثم الانتحار، أما في حال غلب على دواخل البشر صور الأمان والتفهم والتسامح فإن هذه هي البيئة المناسبة تماما لصحتنا وسلامنا النفسي.  فأي الفريقين أهدى سبيلاً.. بناء أم هدم؟ تشويه أم تجميل؟ حبٌ أم كراهية؟ 

    

الروح المسيطرة الناقدة الناقمة التي تعامل بها أسرتك وصغارك في المنزل مساءاً ستتلقاها من رؤسائك في العمل صباحاً ولن تجني بها إلا غماً
الروح المسيطرة الناقدة الناقمة التي تعامل بها أسرتك وصغارك في المنزل مساءاً ستتلقاها من رؤسائك في العمل صباحاً ولن تجني بها إلا غماً
   
هونها تهون.. فكما تراها تكون

"ما يستدعي الإحتفال عند أقوام قد يتطلب عقوبة تصل للقتل أحياناً عند أخرون والفارق هو طريقة التفكير"
    

يعرف سيلجمان التفكير الإيجابي بأنه "تركيز عقل الفرد على ما هو بناء وجيد من أجل التخلص من الأفكار الهدامة أو السلبية ولتحل محلها الأفكار الإيجابية" حزن عند الفشل جدير بالقبول على أن يعقبه محايلة لنفوسنا كطفل صغير حتى تسكن فإن سكنت أمسكنا بزمام خواطرنا مسكة حانية لنصحبها بحكمة في دروب النفحات الإيجابية (ربما هذا المكان أو الوقت غير مناسب– ربما هناك طرق أخرى – ربما وربما ومائة ربما).

    
وأخيراً.. فإن الروح المسيطرة الناقدة الناقمة التي تعامل بها أسرتك وصغارك في المنزل مساءاً ستتلقاها من رؤسائك في العمل صباحاً ولن تجني بها إلا غماً، وأما التفهم والتصالح والتسامح الذي ستتعامل به مع الأخرين سرعان ما سيرد إليك طمأنينة في قلبك وانشراحاً في صدرك. نعم إنها تلك القوة الناعمة الساحرة في تحويل وجهة النظر والتحكم في الانطباع الأول.. قوة قادرة على تبديل عواصف أفكارك ومشاعرك السلبية إلى نسمات ونفحات إيجابية. فتش عن أي تفسير إيجابي يمكن أن تحبه أو تتعايش معه فإن لم تجد فقل "وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ" فأنت جدير بالتسامح والبشر جديرون بمزيد من الفرص.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.