شعار قسم مدونات

عندما تضيع المهنية تحت عنوان "صحافة مواطن"

BLOGS صحافة المواطن

صحافة المواطن، أو كما تعرف أيضا بالصحافة الشعبية وصحافة الشارع، وتتمثل بلعب المواطن العادي دور الصحفي أو المراسل في عملية جمع، نقل، ونشر الأخبار. دخل هذا الاصطلاح عالم الصحافة، بالتزامن مع فورة الانترنت والسوشيال ميديا (مواقع التواصل الاجتماعي)، عزز ثقافة نشر ونقل الخبر على المستوى الشعبي، وهو ما قدم للصحافة عموما والمؤسسات الإعلامية مصدرا جديدا للخبر، فلا يخفى على أحد أن المواطن قدم تسهيلات كثيرة من خلال علاقة جدلية قامت بينه وبين الصحفي، فالأول أراد لخبر ما في منطقة عيشه أن يصل إلى العالم، والثاني، بالإضافة إلى تأديته واجب المهنة وإيصال الصوت، أراد أن يكون السباق في نقل الخبر، من هنا قامت هذه العلاقة بين الإثنين.

تغلغل الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي ودخولهما إلى مجتمعاتنا بشكل واسع وكبير، بالإضافة إلى قبولهما بشكل كامل لدى أفراد المجتمع، لا بل إعتمادهم عليهما كمصدر للمعلومة سهل من انتشار ظاهرة "صحافة المواطن". وإن كانت تلك الظاهرة قد أفادت الصحفيين والمؤسسات الإعلامية بشكل جيد إلى حد ما خصوصا وإن كان مجال عمل تلك المؤسسات مهتم بالشارع والشأن المحلي بأدق تفاصيله، لكنها أيضا أثقلت عالم الصحافة والإعلام بالكثير الكثير من الشائعات والأخطاء المهنية القاتلة.

فأصبح كل صاحب مجموعة على الواتس آب صحفيا، وكل صاحب صفحة على فيسبوك تنشر أخبار المنطقة وتنسخ أخبار العالم، إعلامي. تدخل كي تطالع تلك الأخبار المنشورة بالعشرات يوميا، يحزنك أسلوب اللغة الضعيف، غياب كافة قواعد صياغة الخبر الصحفي، بل وأكثر، قد ينشر الخبر باللهجة العامية كاملا، على مجموعة تدعي أنها صحفية مهنية تتسم بالسرعة والمصداقية، وقد لا يتطابق خبرها مع أي من تلك القوالب الأساسية لصياغة الخبر الصحفي وحتى المتلفز.

جميلة صحافة المواطن حين تقدم لنا ذلك الجانب المنسي من المجتمع، وتطلعنا على أخباره، لكنها تتحول فجأة لصحافة قد يصح تسميتها بالصفراء مع استخدام مصطلحات رنانة

جميلة صحافة المواطن حين تمكن المواطنين البسطاء من نقل معاناتهم أو معاناة أهل منطقتهم، لكنها تكشر عن أنيابها وتكشف عن الوجه الآخر لها حين يصبح ذلك المواطن صحفيا رسميا، بتنصيب له من نفسه أو من أهل منطقته باعتبار تلك العلاقات القوية التي تربطه بهم. أما عن سياسات تلك الصفحات الإلكترونية، فتجد فيها من دعم قطر وصفق للسعودية في خبر واحد، ومن أيد الحوثيين ودعى بالنصر لقوات التحالف في آن على سبيل المثال لا الحصر، وتزداد مشقة تحديد سياسة الصفحة وانتمائها بتزايد الأزمات والحروب والانقسامات في وطننا العربي.

جميلة صحافة المواطن حين تقدم لنا ذلك الجانب المنسي من المجتمع، وتطلعنا على أخباره، لكنها تتحول فجأة لصحافة قد يصح تسميتها بالصفراء مع استخدام مصطلحات (شاهد قبل الحذف، وانت من المميزين في صفحتنا، وادعمنا بلايك)، دون أي أدنى انتباه لسياسة تحريرية، أو حبكة صحفية، بمعنى آخر حين تصبح رسالة الصحافة تهدف لجمع أكبر عدد من المشاهدات على صفحات الإنترنت والسوشيال ميديا.

تشعر للحظة أن تعب تلك السنوات في الجامعة، وفي قاعات التدريب المهنية، ضاع بكلمة، بأنامل شخص عمّد نفسه صحفيا، دون أن يكون له أقل دراية بالعمل الصحفي. جميلة صحافة المواطن، لكنها تحتاج للترويض، تحتاج لمن يهذبها، يأنقها، ويقدمها بذلك القالب المهني، الذي يساعدها على إتمام الرسالة التي نشأت من أجلها.

في فلسطين تحديدا، وفي مخيمات الشتات أيضا، أكثر ما نحن بحاجة إليه هو ذلك النوع من الصحافة، ففي فلسطين، تقمع بنادق الاحتلال حرية الصحافة والصحفيين، وتصل لاعتقالهم واستهدافهم بالرصاص، أما في مخيمات الشتات، ذلك الجانب المنسي من المجتمع، والذي لا يضئ على أخباره إلا أبناء المخيم، ولكي تصل رسالة فلسطين ورسالة المخيم إلى العالم أو المحيط، لا بد أن تكون على أقل تقدير، مصنفة ضمن أدنى مستوى من المهنية والعمل الصحفي السليم. وإن تساءل بعضكم عن عدم ذكري لأسماء تلك المجموعات أو الصفحات، فهي لا حصر لها، وذكر بعضها لن يأتي إلا بالضرر، لذلك اكتفيت بالحديث عنها عموما دون أن أخصص أي واحدة منها، فتكفيك جولة دقائق في تلك الصفحات الإلكترونية ليظهر لك جليا كل ما أقول.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.