شعار قسم مدونات

الديكتاتورية كأم للثورة والتغيير.. نظرة ماركسية

مدونات - مصر

يشرح الفيلسوف والمنظر الشيوعي الفرنسي من أصل مجري جورج بوليتزر (1903-1942 أعدمه النازيون رميا بالرصاص) في كتابه "أصول الفلسفة الماركسية "، يشرح أو بالأحرى يقدم لنا مزايا وملامح الفلسفة الجدلية بشكل مبسط وسهل ووفقا لذلك المنهج الجدلي فإن التحول في مجتمع ما يرجع إلى خصائص كثيرة داخل كل المجتمعات مثل قابلية المجتمع للتغيير، التغيير الذي هو شيء ثابت في حركة التاريخ، وإلى العلاقة بين التحول الكمي والتحول الكيفي داخل المجتمع وأيضا إلى صراع الأضداد داخل ذلك المجتمع.
 
فإذا أخذنا مثلا العلاقة بين التحول الكمي والتحول الكيفي داخل المجتمع فنجد أن التحول أو التغير أو الزيادة في نسبة (كمية) الفقراء داخل المجتمع عن طريق اتساع الطبقة الفقيرة إذا ما صوحب بتغير في كمية أو حجم الثروة التي تمتلكها الطبقة الحاكمة، فإن ذلك التحول الكمي مؤشر على قرب حدوث تحول كيفي داخل ذلك المجتمع بمعني حدوث تغيير في النظام السياسي والاقتصادي داخل ذلك المجتمع بطريقة ما وغالبا ما تكون الطبقة الحاكمة والمسيطرة على المجتمع هي الخاسرة وأحيانا المهزومة كليا في حركة التغيير تلك.
 

يصاحب احتكار نظام عبد الفتاح السيسي للفضاء الإعلامي وحجب وإسكات الأصوات المختلفة توجه عام في صفوف الشباب ناحية الإعلام البديل والمختلف والذي يحاول النظام العسكري محاربته

أما بالنسبة لفكرة صراع الأضداد أو المتناقضات داخل المجتمع فإنه من الطبيعي أن يكون داخل كل مجتمع الكثير من الأضداد أو الاطراف والتيارات المختلفة وهو أمر طبيعي يدل على صحة ذلك المجتمع، لكن حين يسود أحد الأطراف ويحتكر أدوات الإنتاج (الاقتصاد) ويستغل الآخرين ويقمعهم محاولا مسح وإلغاء الاختلافات داخل المجتمع متوهما إمكانية توحيد الجميع من أجل مصلحته وحده فهنا يبدأ صراع الأضداد داخل المجتمع، ومع الوقت ينتج تغير طبقي لا مفر منه داخل ذلك المجتمع.
   

بقياس تلك النظرة الماركسية على الواقع الحالي تحت النظام الديكتاتوري في مصر نجد أن النظام يصنع كل العوامل التي من شأنها أن تنتج تحرك (ثورة) أو انتفاضة مجتمعية ضده ستؤدي إلى إسقاطه وقد تدخل البلاد في فوضى عارمة إذا لم يحتويها ويترك السلطة ليفسح المجال لعربة الوطن لتسير على الطريق الديمقراطي الصحيح.
 
فنجد أنه مع اتساع الطبقة الفقيرة في مصر والتي تعدت الأربعين في المائة من الشعب بحسب التقارير الدولية والمحلية يتزايد التوسع الاقتصادي للجيش في فضاء الأعمال واحتكاره مجالات اقتصادية لا تمت لوظيفته الأساسية بصلة فضلا عن اتباع النظام لسياسة الإفقار وزيادة في الضرائب وفي أسعار الاحتياجات الحياتية الأساسية للمواطن، ذلك التغير الملحوظ في كمية أو عدد الفقراء يؤدي إلى تغير في كيفية نظر المواطن البسيط للحكومة على أنها لا تعمل لصالح المصري البسيط إنما لصالح طبقة منتفعة وقريبة من السلطة وموجودة داخلها (أوليجاركيا) الشيء الذي يتنامى معه الغضب داخل النفوس تجاه النظام بسبب الإحساس المهين بالعجز اليومي عن تلبية الاحتياجات الضرورية.
 

undefined

  

ويصاحب احتكار نظام عبد الفتاح السيسي للفضاء الإعلامي وحجب وإسكات الأصوات المختلفة توجه عام في صفوف الشباب ناحية الإعلام البديل والمختلف والذي يحاول النظام العسكري محاربته، ويصاحب محاولات النظام قتل التعددية داخل المجتمع وتفريغ الحياة السياسية من فاعليتها بل وإماتة السياسة والذي تجلي في إدارة الدولة لمسرحية الانتخابات الرئاسية الأخيرة، يصاحب ذلك ازدياد التطلع إلى نظام سياسي واقتصادي بديل يكون المواطن والوطن هو محور اهتمامه الأكبر ويكون أكثر قربا من الشعب وآماله.

 

وبذلك نجد أنه مع ازدياد الضغط ومحاولات النظام تضييق الأفق السياسي والاجتماعي والاقتصادي تتسع علي عكس مراد النظام نافذة الأمل في التغيير المستند علي غضب وثورة لم يتح النظام غيرهما بديلا للتغيير في مصر، فضلا عن اعتقادي الشخصي بأن قطار التغيير في الوطن العربي عموما وفي مصر خصوصا قد غادر محطة الخضوع تقوده الثورة والتي هي بحسب كارل ماركس قاطرة التاريخ بزيادة أن ثمن الحرية والتغيير قد دفع مقدما خلال أحداث الثورة وبعدها من شهداء ومصابين ومعتقلين ومختفين داخل سجون النظام ذلك الثمن الذي مازال يسدده الشعب حتى الآن.

لذلك يجب التمسك بمتطلبات التغيير: هوية المشروع (دولة مدنية على النسق الديمقراطي الحديث) وطريق الوصول إليه (انتفاضة شعبية أو حركة مجتمعية أو الثورة) بلا شاعرية في المشروع أو نزعات ومصالح فردية وضيقة في الطريق من أجل ما طالب ويطالب به المصريين بدءا من أحمد عرابي مرورا بعبد الناصر وصولا إلي خالد علي، فالثورة هي طرح مسموع جدا ومدوي إذا كان يستند على تكريم المعارك السياسية للأولين وآمال الشباب في مستقبل كريم. الثورة هي الطريق..

 ________________________________________________________

ملحوظة: تخلل الفقرة الأخيرة جمل مقتبسة من مقالة لعالم الاجتماع الفرنسي برنارد فريوت نشرت في لوموند ديبلوماتيك نوفمبر 2017

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.