شعار قسم مدونات

كيف تكيفت تركيا والسعودية مع المتغيرات الدولية الراهنة؟

BLOGS السعودية و تركيا

نسعى في هذه التدوينة إلى أن نبين بعض معالم النظام العالمي الجديد، الذي أصبحت قراءته تستدعي الإحاطة بأحداث الماضي لتشخيص الحاضر، واعتماد الجغرافيا السياسية في قراءة تحركات قادة الدول، وكما يقول "necholas lezard" في كتابه "سجناء الجغرافيا" فالقادة السياسيون مقيدون بالجغرافيا وتتحكم فيهم الجبال والأنهار والبحار.

إن العالم أصبح أكثر رعبا، بسبب صراع استراتيجي واقتصادي وسياسي وديني بين قوى تمتلكك أقوى الأسلحة الفتاكة، القادرة على تدمير مدن بأكملها بشكل قد يهدد الحياة على كوكب الأرض، خاصة أن الرؤوس النووية في تزايد، وإطلاقها لا يحتاج سوى ضغط أصبع واحدة على الزر، كما صرح بذلك رئيس كوريا الشمالية، وسوف نبين كيف استطاعت تركيا أن تتكيف مع هذه التغيرات، في مقابل عدم التصرف بعقلانية من طرف بعض الدول العربية. وسيكون الإشكال المحدد لهذه التدوينة هو السؤال التالي: كيف تكيفت تركيا والسعودية مع المتغيرات الدولية الراهنة؟ 

الخلافات تحيل إلى وقوع حرب كبيرة قد تشتعل في أي لحظة، رغم أن التاريخ يقدم العديد من التجارب المشابهة، التي ينبغي أن تكون عبرة لإعادة النظر في السياسات الخارجية

من يتأمل في السياسة الخارجية التركية سيلاحظ أنها استطاعت أن تلعب على تعارض مصالح القطبين "الولايات المتحدة الأميركية وروسيا"، فالعالم لم يعد تحت تصرف قطب واحد كما هو معلن، فالولايات المتحدة الأميركية فقدت الكثير من قوتها بعد حربها على العراق والأزمة الاقتصادية التي خلقت أزمة في نظامها الاقتصادي، هذا التراجع الذي يعكس استحالة استمرار نفس موازين القوى في كل مرحلة تاريخية كما بين ذلك ابن خلدون في نظريته حول الدولة، أدى إلى إفراز موازين قوى جديدة.

 

فروسيا عادت إلى الساحة الدولية بعد تعافيها من مؤثرات الحرب في أفغانستان التي أنهكت نظامها الاقتصادي والعسكري ودفعتها إلى ترك الولايات المتحدة تحدد معالم النظام الدولي وتتدخل في العراق، وتمكنت بعد ذلك من اختراق شرق أوروبا والشرق الأوسط، واستثمرت في تراجع قوة الولايات المتحدة الأمريكية واستطاعت أن تتحكم في نتائج الانتخابات الرئاسية، ودخلت بقوة إلى سوريا ودعمت النظام القائم، وأرسلت خطابا واضحا إلى العالم، شعاره (انتهى القطب الواحد).

 

وفي ظل هذه التغيرات الدولية استطاعت تركيا أن تستثمر في هذا النظام العالمي الجديد الذي دخلت فيه روسيا بقوة، ولعبت بورقتين متناقضتين، الورقة الأميركية عبر استمرار عضويتها في حلف الناتو والتنسيق الأمني مع أوروبا والولايات المتحدة الأميركية في ملف الإرهاب واللاجئين، والورقة الروسية التي تضمن لها ضمان أمنها القومي الذي أصبح مهددا في ظل الدعم الأميركي للأكراد في شمال سوريا، واستغلت موقعها الاستراتيجي جنوب أوروبا وشمال سوريا، من أجل ضمان أمنها القومي، بمعنى التحالف مع العدو لمواجهة عدو آخر، فعدم التدخل في شمال سوريا يعني محاصرتها جنوبا من طرف الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها الأكراد، خاصة بعد فشل مفاوضات الدخول في الاتحاد الأوروبي وكشف الدعم الأوروبي والأميركي للمحاولة الانقلابية، التي أثبتت قوة تركيا الداخلية، وقدرة الشعب التركي على حماية نفسه بنفسه، من كل انقلاب على اختياره السياسي.

 

فاستباق التدخل في شمال سوريا استراتيجية ناجحة لتجاوز أزمات المستقبل، فالموقع الاستراتيجي سلاح لا يقل أهمية عن القوة العسكرية، وأمام هذا الوضع الساخن في جنوب تركيا، كان لابد من التدخل، خاصة وأن الدول الكبرى تتدخل في شؤون الدول، رغم عدم وجود أسباب موضوعية تبرر التدخل نظرا لبعد النزاع عن حدودها القومية، ولحد الآن اتخذت تركيا قرارات عقلانية، متمثلة في استباق التدخل قبل صياغة واقع سياسي جنوب حدودها، فالتخطيط العقلاني وتشخيص الحاضر والتنبؤ بالمستقبل هو المطلوب من أجل البقاء في عالم لا يعترف بالضعفاء، ولا توجد صداقة دائمة مع اللاعبين الكبار، والوضع الاقتصادي لم تعد له قيمة كبيرة، خاصة عند عدم حسن توظيفه، أمام قوة الموقع الاستراتيجي والقوة العسكرية والعلاقات النفعية المتبادلة والتفكير العقلاني والاستراتيجي. 

 هل ستستمر الدول العربية في دعم الولايات المتحدة الأميركية التي اعتبرت على لسان رئيسها ترمب أن قرار نقل سفارة بلاده إلى القدس أهم قرار تاريخي تحقق في مرحلته الرئاسية؟
 هل ستستمر الدول العربية في دعم الولايات المتحدة الأميركية التي اعتبرت على لسان رئيسها ترمب أن قرار نقل سفارة بلاده إلى القدس أهم قرار تاريخي تحقق في مرحلته الرئاسية؟
 

أمام هذا الجو السياسي الجديد، والخلاف بين دول الخليج، الذي بدأ بعد زيارة دونالد ترمب إلى المملكة العربية السعودية والصفقة الاقتصادية الكبيرة التي ربحها ترمب من الزيارة التي وصفها بالتاريخية في ظل تركيز السعودية على الصراع مع إيران، دون أن تدرس موازين القوى الجديدة التي يمكن أن تعود بالنفع عليها أكثر من الولايات المتحدة الأميركية، خاصة روسيا، بفضل علاقة هذه الأخيرة مع إيران، وقدرتها على التأثير في قرارات هذه الأخيرة، وحثها على عدم دعم الحوثيين في اليمن وتهديد أمنها القومي..

أمام هذه التغيرات، لابد من استخلاص التجارب السابقة، وتقدير الأمور على حقيقتها، واتخاذ سياسات عقلانية، بعد التشخيص الموضوعي للوضع الدولي الراهن، بدون التأثر بالشحنات العصبية والصراعات التاريخية التي تزيد من تهميش الدول العربية والإسلامية عموما من المساهمة في حياكة القرارات الدولية..

فما هو المآل للحد من هذه الصراعات التي تفتك بالدول العربية؟ هل ستستمر الدول العربية في دعم الولايات المتحدة الأميركية التي اعتبرت على لسان رئيسها ترمب أن قرار نقل سفارة بلاده إلى القدس أهم قرار تاريخي تحقق في مرحلته الرئاسية؟ أم أنه ينبغي تجاوز الخلافات التاريخية مع إيران والتحاور معها للتفكير في إعادة التوازن للشرق الأوسط، الذي تفككت دوله، وتوزعت كالكعكة بين الدول العظمى؟ إننا نطرح هذه الأسئلة التي أصبحت ملحة في المرحلة الراهنة، فالخلافات تحيل إلى وقوع حرب كبيرة قد تشتعل في أي لحظة، رغم أن التاريخ يقدم العديد من التجارب المشابهة، التي ينبغي أن تكون عبرة لإعادة النظر في السياسات الخارجية والقرارات المتخذة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.