شعار قسم مدونات

هل سقط فيصل القاسم مع سقوط الطائرة الإسرائيلية؟

BLOGS فيصل القاسم

أثارت حلقة برنامج الاتجاه المعاكس على قناة الجزيرة غضبا واسعا في أوساط متابعيها بعد منح فيصل القاسم منبر برنامجه للمتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي أفيخاي أدرعي، لينتقل من مرحلة استقبال صحفيين وباحثين إسرائيليين إلى استقبال ضباط في جيش الاحتلال، الأمر الذي استفز المتابعين الرافضين لهذا المبدأ من منطلق رفضهم للتطبيع الإعلامي مع العدو.

 

قبل كل شيء، الجزيرة ليست قناة فلسطينية لننتقد سياستها التحريرية ونطالب بتوافقها مع ما يتماشى والخط الفلسطيني المقاوم، فالكثير من القنوات الإعلامية يحترم المشاهد الفلسطيني جهدها في تناول الأحداث فيما يخص القضية الفلسطينية على الرغم من عدم توافقه معها في تغطيتها لشؤون دول أخرى، لكنها منذ البداية فرضت نفسها كمنبر إعلامي يقف بجانب القضية الفلسطينية ويرفض جرائم الاحتلال ويطالب بالحريات، وحين تخالف المبدأ الذي روجت له، فمن الطبيعي أن تلاقي هذا الاستياء الكبير في الأوساط العربية، وأتحدث هنا عن برنامج الاتجاه المعاكس بالتحديد.

 

بإمكان البرنامج استضافة من يريد، لكن يجب أن يسقط أولا الشعارات العريضة التي احترمه المشاهدون من أجلها، ثم بعد ذلك سنقطع لسان من ينتقده

الرأي والرأي الآخر هو المبدأ الذي يقوم عليه برنامج الاتجاه المعاكس، لكن لم يكن في الحسبان أن يكون الرأي الآخر هو رأي العدو الإسرائيلي الذي لا يختلف اثنان في إجرامه وسفكه للدم الفلسطيني. أنتَ لا تناقش مسألة عابرة بل تناقش قضية مصيرية عادلة فيها طرف فلسطيني على حق وعدو إسرائيلي على باطل، ولا تحتاج إلى اثنين ليتحدثا في ذلك، أما فكرة تعرية الاحتلال الإسرائيلي عن طريق استضافة الناطقين باسمه فلا طعم لها، لأنك لن تستطيع تعرية العدو بالنقاش، وشعورك بالانتصار عليه بالنقاش هو بداية لهزيمتك، لأن تعرية الاحتلال لا تكون بفسح المجال لإبداء رأيه وإثبات وجوده، تستطيع أن تعريه بتسليط الضوء على انتهاكاته وجرائمه من خلال المواد الإعلامية المميزة والتحقيقات والأفلام والوثائق التي تبذل جهدا من أجل الحصول عليها.

 

الاحتلال الإسرائيلي لا يرى أنه ينتصر علينا بالقوة والقتل فقط، وهو يستطيع الفصل بين الانتصار المخابراتي والتفوق العسكري وبين الانتصار الإعلامي الذي يحققه من خلال محاولته هزيمتنا نفسيا وإيصال رسالته إلى العالم وبالأخص العربي، وإلا لماذا نجد مواقع وصفحات تروج للكيان الإسرائيلي باللغة العربية وتنشر الفيديوهات التي تنسب فيها أهم المدن الفلسطينية لإسرائيل، وتروج حتى للعادات الفلسطينية القديمة والأطعمة على أنها من تراثها؟ أليس من أجل خلق وعي عند الجيل الجديد بوجود "دولة" لإسرائيل قائمة بحد ذاتها ولها تراثها ومدنها وتاريخها والمتحدث باسم جيشها الذي يخرج على أضخم وسائل الإعلام العربية ليدافع عن هيبة دولته العسكرية؟ ألا يسهم القاسم بدعم فكرة وجود كيان غاصب باستضافته لمثل هؤلاء؟

 

بإمكان البرنامج استضافة من يريد، لكن يجب أن يسقط أولا الشعارات العريضة التي احترمه المشاهدون من أجلها، ثم بعد ذلك سنقطع لسان من ينتقده، لأنه سيكون من الواضح لنا بعد الآن أنه ليس ذا قيمة إعلامية ولن نلقي بالا لما يقدمه، علما أن هناك انتقادات كثيرة على طريقة عرض البرنامج؛ فالكثيرون يرون أنه مجرد "شو" إعلامي يحاول القاسم من خلاله ضرب الفكرة التي لا يقتنع بها بإحضار ضيف قوي ولديه خبرة وثقافة واسعة ومتمكن من موضوع النقاش وآخر ضعيف لا يقوى على الرد، ليستطيع بذلك إبراز الفكرة التي يؤيدها من خلال ضيوفه، وهذا ما لمسه البعض، حيث كتب الكثير من الإعلاميين والناشطين عن الحلقة يتحدثون عن "أن القاسم تحالف مع العدو الإسرائيلي فقط ليضرب الضيف السوري، وطبعا موقف القاسم من النظام السوري معروف للجميع". بالإضافة إلى أن الكثيرين يعدون البرنامج مسرحا للردح والمسبات القبيحة والضرب، بل يوصل أيضا إلى العالم رسالة مغلوطة عن طريقة المثقف العربي في الحوار وهمجيته في النقاش وعدم قدرته على تقبل الرأي الآخر. تُرى هل يكون القاسم سعيدا بخروج مثل هذه المشاهد عبر برنامجه؟

 

عودة إلى الضيف الإسرائيلي، كان بإمكان القاسم تجنب هذا السقوط المدوي لشعبية برنامجه، من خلال استضافة خبير في الشأن الإسرائيلي، على الأقل تجنبا لاستفزاز مشاعر الملايين من متابعي قناة الجزيرة، وبالتأكيد هو إعلامي كبير ولا يحتاج أن نقول له إن اختيار الضيوف في البرامج الإعلامية فن بحد ذاته، له علاقة كبيرة بالموضوعية والأخلاق الإعلامية ونقل الحقيقة كما هي متوازنة وليس كما يريدها القائم على البرنامج.

 

احترام المشاهدين للبرنامج بات ضرورة ملحة من قبل مقدم البرنامج الذي يطرح نفسه بخانة المؤيدين لحريات الشعوب، وهذا ما لم يفعله القاسم بعدم سماعه لانتقاد متابعيه في المرة الأولى التي استضاف فيها الباحث الصهيوني مردخاي كيدار في كانون الأول الماضي، ليتيح له وصف العرب بـ"الأضحوكة"، والعالم العربي بالمستنقع الفاشل، والأمة الإسلامية بأنها شر أمة أخرجت للناس، ما دفع نقابة الصحفيين الفلسطينيين إلى المطالبة بمحاسبته ووقف "أنشطته الإعلامية التطبيعية" على حد تعبيرها.

 

في المقابل، توضح ابتسامة أدرعي العريضة مدى الانتصار الذي حققه بالخروج على منبر إعلامي عربي وكأنه رسالة للاعتراف بوجوده، ليكتب عبر صفحته في تويتر قائلا: "لأول مرة ضابط في جيش الدفاع يشارك في برنامج الاتجاه المعاكس على شاشة الجزيرة، حيث سأخبر المشاهدين أنه في كل مكان في الشرق الأوسط حيث يسود الشر والفساد نجد أيدي فيلق القدس الإيراني، وسأتحدث عن التفوق الجوي الإسرائيلي رغم الاحتفالات المضحكة التي شاهدناها في دمشق. تابعوني".

 

والآن، ماذا لو قرر الشرفاء من المثقفين والسياسيين مقاطعة الظهور في برنامج الاتجاه المعاكس بسبب استضافته لقاتل الأطفال، وبالتحديد بسبب ضحكته الاستفزازية على شاشة عربية. باعتقادي سيكون درسا جيدا لكل برنامج يتقبل حوار "القتلة" كرأي آخر، ولأننا متعطشون لإعلام حر وسط هذا الخراب، ولأنه ليس من السهل كسب ثقة الجمهور الذي لم يعد غبيا وليس جاهلا كي لا يستطيع التمييز بين الموضوعية والتطرف، ومع احترامنا لجهد الجزيرة في التغطية في فلسطين وإنتاجها الإعلامي المميز، لكن يجب العلم  أن الجمهور الذي احترم الجزيرة هو ذاته القادر على التقليل من شأنها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.