شعار قسم مدونات

عيد ميلادي.. كلما زاد عمري زاد خوفي!

blogs عيد ميلاد

كل عام وأنت بخير، عيد ميلاد سعيد، العمر الطويل.. هذا ما يهنئونني به دوماً عند مجيء يوم عيد ميلادي، في كل عام يزداد فيه عمري وتنقص بها أيامي في دنيا هي ليست من أحلامي. بدأت بالتفكير في هذا اليوم وبالتهاني التي تنهال على من كل صوبٍ وجانب، وبالمعاني العميقة لهذه الكلمات التي استقبلتها من الأقارب والأهل والأصدقاء، حتى راودتني بعض الأفكار والخواطر اتصلت فيها بالآفاق، وما وصل إلى أبعد من ذلك من جنة ونار، والمصير الدنيوي وما في الآخرة من أسرار.

 

حاك الكثير في الصدر مما شتَّت الذِّهن وضَرْ، خواطر كثيرة هي في نفسي لا أريد إخراجها وواجبي إخراجها، والتنبيه على أسرارها وخفاياها، أمور شعرت بها في لحظتها، ولا أعلم إذا كان هذا شعور غيري أم أنا هو المقصود دون غيري، في إيقاظ نائم في سبات، وعقل تائه تحت سماء جافة في صحراء قاحلة، وعيون في الآفاق لا تتعدى رأسًا رافعة، وبُعد أمتارٍ لخطوات أقدام ليست بعيدة بل ملاصقة لظلها الواهية.

فأقول.. كلما زاد عمري زاد خوفي، وخوفي بسبب زيادة قربي إلى عادلي، فالموعد مع الخالق الجبار اقترب، والجسد على حمل القلب سَيَهرم ولن يتحمَّل، والجزاء على صبر الدنيا سَيُسْتَحق، والوعد بالعقاب سيُنفَّذ، والله… لا أعلم ما هي معنى الفرحة في هذا العيد! هل هو احتفال بأضحية ستُذبح، أم احتفال بعريس من الحُور سيتزوَّج.

هل هي تهاني بزيادة سنة جديدة من عمري؟! أم بالاقتراب السريع من أجلي؟! هل هي تهاني بسكن القبر الجديد، أم بلباس اللَّحد الأبيض الرقيق؟! هل هي تهاني وتبريكات لسعادتي على اقتراب يوم الحساب والوقوف بين يدي رب العباد؟! أم بسبب ضمان حسناتي لأنها فاقت سيئاتي؟! هل عيد ميلادي وزيادة سنين عمري ونقصان أيامي في هذه الدنيا، مدعاة لفرحي وسعادتي؟! أم يجب أن يكون يوم حزني وتعاستي؟! أنا لا أرى الا ان تعزوني في مصيبتي هذه، وادعوا لي بأن يخلفني الله فيها خيراً منها.

(هل) أخيرة كان علي أن أسألها لنفسي.. هل أنا مستعد للقاء الله رب السماوات والأرض، الجبار القوي القهار، هل أستطيع لقاءه وأنا من يحمل جبالًا رواسي من أسئلة الـ (هل)؟!

عندما رأيت إنسان ذات يوم يحترق بنار الدنيا كما تحترق الشمعة ودوبانها، شاهدته ولحمه يذوب، وعظمه يتكسر بعد تفحُّمِه، حتى انسلخ خارجه حتى داخله، كما هو نزع ثوب النهار ليكون الليل بسواده وظلمته. هي نار الدنيا التي قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله الحق: (إنَّ نارَكُم هذِهِ جزءٌ من سَبعينَ جُزءً مِن نارِ جَهَنَّمَ، وقد ضُرِبَت بالبحرِ مرَّتينِ، ولَولا ذلِكَ ما جعلَ اللَّهُ فيها منفعةً لأحدٍ).

يا الله.. ضربت النار مرتين في البحر حتى تعم المنفعة! فكيف إذا هي نار الآخرة؟! إذا كان حرق الانسان بنار الدنيا بالكامل لا يأخذ أكثر من دقائق معدودة! إذا فكم من الوقت تأخذ نار الآخرة لكي يحترق جسم الإنسان كاملاً؟! حتى يعيد الله خلقه من جديد، ويعاد حرقه مرة ثانية وثالثة ورابعة وخامسة ووو.. إلى أن يشاء الله.

قرأت يومًا كلامًا أعجبني وهو… "يصاب ابن آدم كل يوم وليلة بثلاثة ابتلاءات، قد لا يتعظ بواحدة منها:
الابتلاء الأول: عمره يتناقص كل يوم، واليوم الذي ينقص من عمره لا يهتم له؛ وإذا نقص من ماله شيء اهتم له؛ والمال يعوض والعمر لا يعوض.
الابتلاء الثاني: في كل يوم يأكل من رزق الله، إن كان حلال سُئل عنه، وإن كان حراماً عوقِب عليه، ولا يدرى عاقبة الحساب.
الابتلاء الثالث: في كل يوم يدنو من الآخرة قدراً، ويبتعد من الدنيا قدراً، ورغم ذلك لا يهتم بالآخرة الباقية بقدر اهتمامه بالدنيا الفانية، ولا يدري هل مصيره إلى الجنة العالية أم إلى النار الهاوية"… انتهى.

وهنا أسأل نفسي عندما زادت سنين عمري عند حضور عيد ميلادي: هل كنت على طاعة، أم كنت على معصية؟! هل أنا في الغيبة والنميمة وأعراض الناس؟! هل أعطيت الأجير أجره قبل أن يجف عرقه؟! هل تم التواصل مع أرحامي وأهلي وعائلتي، وأن أصل من قطعني وإن استمر على ذلك؟! هل كنت بارا بوالدي في السمع والطاعة، والصوت الهادئ في حضرتهم وتلبية طلباتهم؟! هل أدَّيت الحقوق وأرجعت الأمانات لأصحابها؟! هل كان مصدر أموالي حلالًا أم حرامًا؟! هل قمت بأداء حق الله علي وواجباتي اتجاهه بجميع العبادات، وجعلت حسن النوايا بداية أفعالي وحركة جوارحي؟!

هل أعطيت الصدقات والمعونات والزكاوات حتى تمحو سيئاتي وتزيد حسناتي؟! هل أقمت صلاتي في وقتها وأديتها حق الأداء على الوجه الذي يرضاه الله رب العباد؟! هل صمت لله صوما خالصا في رمضان وغيره صوم عبادة وليس رياءًا ولا عادة؟! هل زنيت يوماً كما جاء عن الحبيب المصطفى: أم كنت شريفا عفيفا لا أسرق السَّمع، ولا أخون البصر، ولا أَجْبِر الجوارح، وتحت الأقدام الأثر؟! هل أكرمت وصُنت زوجتي كما كانت معززة ومكرمة عند أهلها، ونشرت العدل والسلام والصفح والحب والوئام، دون ظلم ولا كسر أجنحة بإذلال وإهانة وزيادة تعب وعمل بلا كرامة؟!

هل علَّمت ورَبَّيت أولادي التربية الصالحة كما في كتاب الله وسنة رسوله، حتى أكسب منهم الدعاء عن وفاتي ونيل الحسنات عند ربي وخالقي؟! هل دَعَوْت يومًا بقلبًا راجيًا متمنِّيًا لإخواني المسلمين المجاهدين بأن ينصرهم على أعدائهم ويعلي رايتهم ويزيد الإسلام والمسلمين عزا ورفعة دون ذلة وإهانة؟! هل ساهمت يومًا في مساعدة إخواني المسلمين المنكوبين المظلومين بأي بُقْعَة من بقاع الدنيا فأكون شيئًا فاعلًا لا نكرة مهزومة؟! هل وهل وهل، ما أكثر الأسئلة، وما يتبعها من أجوبة!! هل هي أجوبة سعيدة ومطمئنة، أم هي آهات وويلات وزلات؟!

وفي الختام هناك (هل) أخيرة كان علي أن أسألها لنفسي.. هل أنا مستعد للقاء الله رب السماوات والأرض، الجبار القوي القهار، هل أستطيع لقاءه وأنا من يحمل جبالًا رواسي من أسئلة الـ (هل)؟! هل أستطيع أن أتحمل نار الدنيا على أن أتحمل نار الآخرة؟! هل أنا مستعد للرحيل وحيداً في ظلمة قبر وأكناف أرض، وتراب يحدني من كل جهة وصَوْب، ويعلوني ليغمر الرؤية ويقطع النفس، ويغلق الأفواه، والباقي على الجسد؟!

أين أنا من هارون الرشيد عندما كان على فراش الموت، فقال لإخوانه من حوله: أريد أن أرى قبرى الذى أدفن فيه؟ فحملوه إلى قبره، فنظر هارون إلى القبر وبكى، ثم التفت إلى الناس من حوله وقال: ((مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ، هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ))، ثم رفع رأسه إلى السماء وبكى وقال: "يا من لا يزول ملكه، ارحم من قد زال ملكه". واعلم كما قيل: "أنه الليل مهما طال فلابد من طلوع الفجر، والعمر مهما طال فلابد من دخول القبر". ولكن مع علمي والشواهد كثيرة بأن الله شديد العقاب، فأنا على يقين بأن الله غفور رحيم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.