شعار قسم مدونات

تعريب الرياضيات.. مشكلة العربية أم العرب؟

مدونات - الرياضيات

تلعب اللغة دورا كبيرا في حياتنا بشكل عام، وبصفة خاصة في نقل العلوم وتبسيطها وتفسيرها بشكل يفهمه أهل الاختصاص من العلماء والباحثين وكذلك العوام من الناس وكل مولع بالاطلاع. كما أنها تكتسي أهمية بالغة في تدريس العلوم بشتى أنواعها، وبالأخص ما يهمنا في هذا المبحث: أهمية اللغة العربية في تدريس الرياضيات وبعض الجوانب الإشكالية المتعلقة بهذا الموضوع في ظل الصعوبات والأخطاء التي يواجهها كل من أستاذ وطالب الرياضيات في التعبير السليم والدقيق وكذا الاطلاع على مناهج الدول العربية الأخرى.

فضرورة إلمام الرياضي وإتقانه لكل ما يتعلق بمادة الرياضيات، وبالتحديد اللغة العربية، ضرورة ملحة خاصة في ظل تهاون بعض الأساتذة والطلبة في ضبط قواعد لغتهم المتعلقة بالصرف والنحو وما يخص المباني والمعاني، والأخطاء المتكررة التي لا يسلم منها إلا النزر اليسير. فالرياضي الحق متقن بطبعه لكل ما يتعلق بالعلوم، فاهتماماته لا تقتصر حكرا على الرياضيات فحسب، بل تجده ملما بشتى العلوم حتى الأدبية منها كالشعر وغيره، ولا يتجاوز شيئا جديدا تعلمه إلا بعد إتقانه. ولا جرم أن الرجوع إلى اللغة الأصلية من أركان التنمية الحقيقة كما ذهب إلى ذلك المفكر المغربي الـكبير: المهدي المنجرة رحمه الله، منطلقا من التجربة اليابانية الناجحة، والتي اعتمدت في سيرورتها التنموية على لغتها الأصلية.

لو عجزنا عن التعريب حقيقة، على الأقل حري بنا تبني اللغة الانجليزية كلغة تفرض نفسها وبقوة كلغة العلم في العصر الحديث، خاصة وأنها اللغة الرسمية للأبحاث العلمية الأكاديمية وغير الأكاديمية.

مشكل الترجمة إلى العربية:
تكتسي الترجمة أهمية بالغة في نقل العلوم وتبسيطها، وبالتالي الرقي بالدول والدفع بعجلتها إلى الأمام، وتواجه الترجمة إشكاليات متعددة المناحي أهمها يتعلق باختيار اللغة المترجَم عنها، هذا الإشكال يتعلق بإشكالات أخرى، منها ما هو تاريخي كلغة (المستعمر) التي تفرض نفسها قسرا على الدول المغلوب على أمرها، فعلى سبيل المثال، نجد أن الدول التي كانت (مستعمَرة) من طرف الإنجليز تترجم عن اللغة الإنجليزية، والتي كانت (مستعمَرة) من طرف فرنسا تترجم عن اللغة الفرنسية، لذلك تجد مصطلحات وترجمات مختلفة لنفس المفهوم تختلف من دولة عربية لأخرى، وفي بعض الأحيان ترجمات بعيدة المعنى عن بعضها البعض والأمثلة تترى في هذا الباب.

فعلى سبيل المثال: في الجـبر المجرد، الترجمة التي يتبناها المغاربة لكلمة (corps) هي (جسم)، لأننا نترجم عن اللغة الفرنسية، بينما في بعض الدول العربية الشقيقية كسوريا والعراق يعتمدون الترجمة عن اللغة الإنجليزية (field) وهي كلمة (حقل)، والكلمتان من ناحية اللغة الإنجليزية والفرنسية والعربية، على حد سواء، بعيدتان كل البعد معنى ومبنى، لذلك نستغرب متسائلين ونتساءل مستغربين : لماذا لا نسعى لتوحيد الترجمة وجعلها ترجمة عربية (كونية)، حتى لا يواجه المشارقة صعوبة في مطالعة أبحاث ومناهج الرياضيات التي ينتجها المغاربة والعكس بالعكس؟ ولماذا لم نستطع إلى الآن التخلص من مخلفات (الاستعمار) حتى تُفرض علينا لغات أكل الدهر عليها وشرب في ميدان العلوم كاللغة الفرنسية على سبيل المثال.

لو عجزنا عن التعريب حقيقة، على الأقل حري بنا تبني اللغة الانجليزية كلغة تفرض نفسها وبقوة كلغة العلم في العصر الحديث، خاصة وأنها اللغة الرسمية للأبحاث العلمية الأكاديمية وغير الأكاديمية. أمر آخر وهو صعوبة الترجمة إلى اللغة الأم، في ظل غلبة الدول الغربية، حيث أصبحت الدول العربية لا تعدو أن تكون مستهلـكة للعلوم التي تتوصل إليها الدول الغربية، في ظل غياب الإنتاج والإبداع إزاء التأخر الذي طال الدول العربية والإسلامية في الالتحاق بالركب الحضاري.

undefined

من الأمثلة كذلك ترجمة (complex number) حيث يستعمل المغاربة ترجمة عدد (عُقَدي)، وفي الجزائر أو دول المشرق تجد استعمال عدد (مُركب)، وترى في معظم النقاشات كل طرف يخَطِئ ترجمة الطرف الآخر، فترى الطرف الأول يرى صحة الترجمة الأولى نظرا لكون هذا العدد عبارة عن (عُقدة) عند تمثيله في المستوى العقدي، ويرى الطرف الثاني أن الترجمة الثانية هي الأصح لأنه عدد مركب من جزئيين تخيلي وحقيقي، مع أن الترجمتين كلتيهما تسعفهما اللغة العربية والمعنى، وأن هذه الترجمات اعتمدت من طرف مختصين وباحثين في المجال، لـكن المشكل يكمن في توحيد المفاهيم والاتفاق على مفاهيم كونية أو اعتماد الترجمتين في جميع الدول كمترادفات.

كذلك يستعمل المغاربة ترجمة (تطبيق أو دالة)، مع الفرق الرياضي الموجود بين المصطلحين، وفي الدول العربية الشقيقة تجد مفهوم (التطبيق) نادرا وتجد بدله مفهوم (التابع). أيضا في الجـبر المجرد، تجد ترجمة كلمة (homomorphism) كـ (تشاكل) عند المغاربة، في حين تجد كلمة (تصاكل) في بعض الدول العربية الأخرى كالعراق وسوريا..

أتوجه بدعوة عامة لأساتذة الرياضيات والباحثين، إلى الاعتناء بالتراث الرياضي الإسلامي العربي وإعادة صياغته وتبسيطه ليتماشى مع العلوم الحديثة، بدل أن تبقى مجرد مخطوطات يعلوها الغبار ويعتريها النسيان.

هل اللغة العربية لغة علم؟
كثير من الباحثين والمثقفين يعتقدون أن اللغة العربية ليست لغة علم، وهذا الحكم الجائر الذي وقع فيه معظمهم راجع لعدة أسباب:
أولها: جهلهم باللغة العربية واتساعها وإمكانياتها اللامحدودة.
ثانيا: أن معظمهم درسوا في جامعات غربية، أو درسوا تلك المواد العلمية في بلدانهم بلغة (مستعمريهم).
ثالثا: لأننا في هذا الزمان لا نعدو أن نكون مستهلكين لما يصل إليه الغرب من علوم وتقنيات كما أسلفت. وقد يتوهم البعض أن اللغة العربية لغة (ثقيلة) في العلوم خاصة في الرياضيات، فعلى سبيل المثال لا الحصر، يزدري بعضهم تعويض قيم المجهول (x) في المعادلات بحرف (س) عند بعض الدول الشقيقة كمصر، وهذا الثقل الذي قد يجده البعض ثقل نسبي يتعلق بمدى تعود الدارس للمصطلحات التي يستعملها، وليس له علاقة برحابة اللغة للعلم أو ضيقها..

والدليل على هذا أن الذي يدرس الرياضيات بالعربية مدة من الزمن ثم يتحول إلى لغة جديدة يجد صعوبة وثقلا في بادئ الأمر، نظرا لاحتياجه لمدة كافية للتعود والاستئناس. ودون أن أطيل في هذا الصدد، بحسب كل مخالف أن يقرأ ما ردّت به اللغة العربية على لسان حافظ إبراهيم رحمه الله:

وسعتُ كتاب الله لفظا وغايـة وما ضقتُ عن آي به وعظاتِ
فكيف أضيق اليوم عن وصف آلة وتنسيق أسماء لمخترعاتِ
أنا البحر في أحشائه الدر كامن فهل سألوا الغواص عن صدفاتي؟

و في الختام أتوجه بدعوة عامة لأساتذة الرياضيات والباحثين، إلى الاعتناء بالتراث الرياضي الإسلامي العربي وإعادة صياغته وتبسيطه ليتماشى مع العلوم الحديثة، بدل أن تبقى مجرد مخطوطات يعلوها الغبار ويعتريها النسيان، وكذا الاعتناء بإغناء المكتبة العربية في مختلف فروع الرياضيات.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.