شعار قسم مدونات

الإخوانوفوبيا.. رهاب غربي أصاب الشرق

blogs الإخوان المسلمين

ظهرت جماعة الإخوان المسلمين في إسكندرية مصر كردة فعل طبيعية لسقوط آخر إطار دولي جامع للمسلمين تحت راية واحدة وبقائهم للمرة الأولى منذ وفاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بدون دولة موحدة للمسلمين وحامي لحرياتهم وممتلكاتهم وحامل لهمومهم وآمالهم. انطلق مؤسس هذه الجماعة في ظل هذا الواقع ينشد إعادة قوة الإسلام بدءً بالإصلاح التربوي مراعيا ميكانيزمات التغيير الهادئ ذو الدعامات الصلبة. لم تكن السلطات البريطانية لتخاف من هذا العمل الديني المُتحَكَم فيه إلا من بعد أن أصبح للإخوان المسلمين قوة اجتماعية تعادل نصف المليون وانتقلت بموازين البناء لعاصمة مصر القاهرة. بل بدأت ارهاصات الإخوانوفوبيا منذ افصاح الإمام حسن البنا عن هوية فكر الإخوان المسلمين.

يؤمن أبناء هذا التيار الفكري بشمولية الإسلام وعالمية رسالته. ومقتضى الشمولية لا يقتصر في الهوية الدعوية فحسب بل يتعداها لأن تجمع بين كونها هيئة سياسية وشركة اقتصادية وفكرة اجتماعية وفرقة رياضية. لم تكن دعوة للصلاح الفردي القانع بالحياة الاجتماعية المريضة والقابع تحت سلطة الاحتلال الماسخ لهوية المجتمع. بل عملت أن تكون تيارا ينبري لإصلاح المجتمع لتهيئته لإصلاح منظومة الحكم الفاسدة وتقوية الأمة الإسلامية. تعددت مستويات الرهاب عند بني البشر لكن لم يكن في الحسبان الوصول إلى درجة رُهاب البشر بسبب الإيديولوجيا. بدأت الإخوانوفوبيا غربية عند رجال الاحتلال البريطاني الذي لم يستسغ تحول القوة الاجتماعية الضخمة نحو إصلاح منظومة الحكم عبر المشاركة في الانتخابات النيابية فدفعها الرهاب لمنع أيقونة الإخوان المسلمين حسن البنا من الترشح للانتخاب النيابية سنة 1942 من خلال مفاوضات حكومة النحاس الوفدية قبل فيها الانسحاب لكن بشروط إصلاحية.

رأى عبد الناصر أن الطموح السياسي والفكري له لم يكن لينجح أمام المشروع الفكري المعتمد على الهوية الإسلامية. فكان الإخوان العقبة أمام تحقيق الحلم. ورث القوميون تلك النظرة التي نشأ عليها كبار مثقفيهم وكبرت معهم الإخوانوفوبيا.

1- الإخوانوفوبيا الغربية:
لقد كان مسوغ الإخوانوفوبيا الغربية سياسيا لما رأته بريطانيا في الإخوان المسلمين خطرا سياسيا جامحا يستمد قوته من الشرعية الشعبية بعد جهد البناء الاجتماعي. لقد تعاملت الدول الغربية مع المجتمعات البشرية متعددة الانتماء الجغرافي والثقافي وفق خريطة سياسية أيديولوجية رسم ملامحها رئيس الوزراء البريطاني هنري كامبل من خلال وثيقته السرية التي تضبط العلاقات مع الأفكار والإيديولوجيات من خلال تقسيم الخريطة لمناطق معروفة الهوية واللون.

لطالما كانت المنطقة الخضراء ذات الهوية الإسلامية القوية القيم، السوية الدوافع و المبررات النفسية منطقة الخطر الأولى على الهيمنة الحضارية الغربية. إن تصور المؤامرة الكبرى ليس منهجنا في التحليل بقدر تظل الوسطية هي منهجنا. فلا تكون تهويلا يضخم لحد تبرير القصور والشلل أو سذاجة تلغي هذه الحقيقة تماما. لقد جاءت فكرة الإخوان المسلمين لتعيد الإطار الدولي للمسلمين بهدف القيادة الحضارية السوية للعالم والاستخلاف في الأرض كما تبرزه أدبيات هذه الجماعة. من خلال رؤية واضحة المعالم والتصورات تتدرج في البناء. تهدف لقيام دول قوية سياسيا واقتصاديا تستمد قوتها من شرعية مجتمعية بانية.

بقي الغرب يتعامل مع هذا الفكر المهدد لمصالحه في المنطقة تعامل الاجتثاث عند مدرسة الاستئصال العلماني أو تعامل الحذر المترقب. كانت بداية الإخوانوفوبيا الغربية باغتيال الإمام حسن البنا بطريقة أقل ما يقال عنها أنها بشعة التنفيذ لا إنسانية التحقيق. وما تولد عن ذلك من فرحة شعبية عارمة في أوساط الشعب. رسمت تلك الصورة حجم الخوف حجم الخوف من شخص بوزن لم يتعدى نصف قنطار. لكن بعقل أنتج فكرة إسلامية منافسة.

في عصرنا الحاضر، أيقنت الدول الغربية بأن الفكرة لا تحارب بالقتل والاستئصال خاصة إن كان لهذا الفكر تواجدا شعبيا خرج من اطار مصر ليصل اتساع الرقعة الجغرافية الإسلامية. نقصت حدة الإخوانوفويا لكنها لم تنطفئ لسببين اثنين: صعوبة محاربة جماعة انتقلت من قاف القلة إلى قاف القيادة في العديد من الأقطار التي اصبحت فيها من مؤسسات الدولة ومنظومات الحكم. والسبب الثاني للقوة القيمية المتجذرة التي أنتجها الإخوان المسلمين من خلال الإنجازات الشعبية والإسلامية في الملفات الإسلامية المتعددة عبر الأزمات المتتالية التي عرفتها الأمة الإسلامية.

إن هذه الصعوبة هي التي جعلت الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية تتردد ذلك التردد الرهيب في وضع الإخوان في قوائم الإرهاب وجعل هذه الجماعة المعروفة بالوسطية والاعتدال في مصاف التطرف الذي لم تنتجه مؤسساتهم المتعددة رغم حجم الظلم الذي سقط عليهم. إن كانت الإخوانوفويا الغربية باقية لبقاء مبررات وجودها فوجب من خطة جديدة تكون بأيد شرقية تملك نفس الهوية لكن بمنهج متغرب يحمي لها مصالحها ويجد الراحة في أحضانها. من هنا كان لابد للنسخة الشرقية من الظهور.

2- الإخوانوفوبيا الشرقية
قد نفهم مبررات الغرب في رهابه الإخوان المسلمين في إطار الصراع الحضاري بين الأفكار القوية التي تهدف لقيادة العالم. لكن للوهلة الأولى لم نكن لنفهم مبررات الرهاب الشرقي لتيار فكري انطلق من نفس المنبت ويهدف لعودة الشرق لمرحلة الشهود الحضاري. إن استخدام نفس العقلية لشرح هذا المركب النفسي مع انتزاعه من مسبباته التاريخية والاجتماعية لن يحقق لنا مبتغانا. فلذلك فلننبش في تاريخ الإخوانوفوبيا الشرقية، نضعها في إطارها التاريخي لنستخرج الأسباب والمسببات.

بدأت الإمارات قيادة تيار الإخوانوفوبيا الشرقية من خلال حملتها سنة 2011 على دعاة الإصلاح بما يعرف بقضية الإمارات 94 وتجاوزت حدودها نحو إجهاض كل التجارب الإخوانية الناجحة من خلال قيادة الثورات المضادة.

3-  الإخوانوفوبيا القومية
ظهرت مع ظهور القومية العربية المنطلقة في الوصول إلى الحكم عبر الانقلابات والعمل على بناء وحدة عربية جامعة تعيد العزة للجنس العربي الموجود في قلب الأمة الإسلامية في إطار دولي ثنائي القطب بهدف إيجاد خط ثالث لا يريد الانحياز. كانت الناصرية تخاف من قوة الإخوان الفكرية والاجتماعية التي كانت هي المعين لتحقق انقلاب الضباط. لكن رأى عبد الناصر أن الطموح السياسي والفكري له لم يكن لينجح أمام المشروع الفكري المعتمد على الهوية الإسلامية المتسعة المنطلقات والشاسعة الرؤية والأهداف. فكان الإخوان العقبة أمام تحقيق الحلم. ورث القوميون تلك النظرة التي نشأ عليها كبار مثقفيهم وكبرت معهم الإخوانوفوبيا، فكانوا ورثة لمشروع تحققت هواجسه يوم أن اعتلى الإخوان رئاسة الجمهورية من خلال شفافية وديمقراطية شعبية بعد الثورة. فما كان لهم إلا أن وقفوا مع الماض التعيس وشاركوا في إسقاط الإخوان.
 

4- الإخوانوفويا السياسية
ظهرت هذه الفرقة ذات التكوينة الفسيفسائية بعد ظهور الثورات العربية التي كانت اجتماعية الدوافع وسياسية الأهداف بغية تغيير الواقع السياسي المتحجر والمغلق. لقد كان الإخوان بفكرهم التنظيمي وتجربتهم السياسية المتمرسة وقوتها الاجتماعية الصلبة اضافة نوعية للثورة بكونهم البديل الجاهز لمنظومات الحكم القائمة على الفساد.

تنامت الإخوانوفوبيا من خلال موجة سبقت الربيع العربي أثبتت نجاح أبناء هذه المدرسة في الحصول على ثقة الشعب في تركيا 2002 وحصول حركة حماس على أغلبية مقاعد المجلس التشريعي الفلسطيني ورئاستهم للحكومة سنة 2006. وصل الرهاب منتهاه بعد تحقق الهاجس بتقلد الإخوان الحكم في مصر وتونس والمغرب.

لقد كانت حرية الشعوب تؤرق بعض الكيانات الملكية في الخليج وكان الإخوان هم رأس الهاجس. بدأت الإمارات قيادة تيار الإخوانوفوبيا الشرقية من خلال حملتها سنة 2011 على دعاة الإصلاح بما يعرف بقضية الإمارات 94 وتجاوزت حدودها نحو إجهاض كل التجارب الإخوانية الناجحة من خلال قيادة الثورات المضادة.

تعددت الأسهم وتآلفت النفوس في إخراج أحد الفصول الجديدة من الإسلاموفوبيا كاشفة عن صبيانية سياسية استئصالية للتعامل مع  فصيل له أخطاءه لكنه ليس العدو.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.