شعار قسم مدونات

جيل من الحمقى!

blogs - phone

"الله لا يسامح من اخترع هذا العجب!" عبارة تقولها أمي كلما رأتنا منكفئين على أجهزتنا الصغيرة، نغوص في عالم افتراضي مليء بالدهشة، متجاهلين تماماً ما يقع في عالم الواقع! و لعلَه بات مشهداً روتينياً في معظم البيوت، بل وفي وسائل المواصلات والأماكن العامة، أن ترى الناس مأخوذين بهواتفهم كأنهم يمارسون طقساً من طقوس العبادة أو التأمل، وقد وصل الأمر ببعضهم حد الإدمان والهوس!

هل حدث وأن كلمك شخص -بينما كنت مشغولاً بهاتفك- فأجبته إجابة لا علاقة لها بالموضوع؟ هل سبق لكِ سيدتي أن نسيتي "طبخة" في الفرن مثلاً، وأنت "تدردشين" مع إحدى صديقاتك عبر أحد مواقع التواصل الاجتماعي؟ لا شك أن الكثير من القراء سيجيب ب "نعم" أو "كثيراً"، لأننا وببساطة بتنا لا نستغني عن هواتفنا، فهي أول شيء نتفقده بعد استيقاظنا من النوم صباحاً، وقد يغالبنا النوم ليلاً ونحن ما زلنا محملقين إليها، أو قد ننام فعلاً وهي بين أحضاننا!

إلى أين يمضي بنا قطار التكنولوجيا الفائق السرعة؟ وكيف سيواصل تأثيره على التواصل الإنساني سواء بالنسبة لجيلنا الحالي أو للأجيال القادمة؟

أتذكر سيدة جاورتها على مقاعد إحدى الحافلات، عندما أومأت لي برأسها لتحثني على النظر نحو شابين يجلسان في الجهة المقابلة، كل واحد منهما مأخوذ بهاتفه وكأنه يعيش بداخله، ثم وشوشت لي قائلة: "قد ينسيان المحطة التي سينزلان بها"، ثم عادت تؤكد بعدما رأت ابتسامة على شفتاي: "سبق وأن حدث ذلك مع شاب انشغل بهاتفه حتى فاتته محطة النزول، والعجيب أنه عاد إلى مكانه ليفتح هاتفه مرة أخرى!" وأمام نبرة الذهول في صوتها ضحكت أنا، وتذكرت أينشتاين الذي قال يوماً "أخشى أن يأتي اليوم الذي تطغى فيه التكنولوجيا على التواصل بين البشر، سيكون في العالم جيل من الحمقى!"

هكذا أصبحنا نهيم في عالم من الوسائط المتعددة، التي تشتت انتباهنا، و تلتهم جزءاً كبيراً من وقتنا، وتتحكم حتى في مزاجنا وأحاسيسنا، غير آبهين أيضاً بتأثيراتها السلبية على الصحة، بما أنها تؤدي بنا إلى السهر، وإلى عدم الاهتمام بغَدائنا بسبب السرعة وعدم التركيز، كما جعلت دائرة التواصل الإنساني المباشر تضيق بنا أكثر فأكثر، لدرجة العزلة أحياناً والقطيعة أحياناً أخرى، هذا ناهيك عن تغلغل نماذج من السلوكيات الغريبة عن قيمنا الاجتماعية و الدينية، سببت الشعور بالاغتراب بين عالم واقعي وآخر افتراضي.

لقد بتنا فعلاً مملوكين لأجهزتنا، لا مالكين لها، بل سيطر علينا اعتقاد بأن وجودنا لن يكون له معنى بغير وجودها، تتجاذبنا من جهة العروض المغرية لشركات الاتصالات، ومن جهة أخرى الابتكارات والميزات الجديدة التي تضاف كل يوم إلى الهواتف الذكية. فإلى أين يمضي بنا قطار التكنولوجيا الفائق السرعة؟ وكيف سيواصل تأثيره على التواصل الإنساني سواء بالنسبة لجيلنا الحالي أو للأجيال القادمة؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.