شعار قسم مدونات

كره الوطن من الإيمان

blogs- الوطن
لطالما ردد البعض سمفونية حب الوطن من الإيمان، إن كان هو كذلك فأنا لست بمؤمن. لن أتحدث اليوم عن أوطان بعينها، بقدر ما سأتحدث عن وطني الذي ترعرعت فيه ونشأت فيه وارتويت من مائه وجلت مختلف ربوعه (المغرب). أتحدث عن وطني ضاربا في عرض الحائط، كل الشعارات الرنانة التي تهلل للوطن والوطنية، أتحدث عن وطني "وأدرينالين" الكراهية تجاهه يزداد كلما أشرقت شمس يوم جديد على وضع يشمئز.

قد يتهمني البعض، بوجود خلل نفسي وضبابية في الرؤى وعدم التمييز بين حب الوطن ورفض بعض الممارسات الفردية التي تؤثر سلبا على حب الوطن والانتماء إليه، لكن لا شيء منها. فالناس يهاجرون عندما تصبح الحياة لا تطاق، والبدو يرتحلون عندما تضن الأرض بخيرتها، وتطير الطيور حيث الحب الهضيم بعيدا عن الصيادين، ويفر البشر إلى مواطن الحرية، ويطير المال حيث الأمان والاستقرار السياسي، وتطير العقول حيث تجد الإمكانات والتشجيع. فهذه قوانين مثل الانحلال والتفاعل في الكيمياء وتوازن الحموضة والقلوية في الفيزيولوجيا.

فوطني لم يعد ذلك المكان الذي تحفظ فيه الكرامة وتشعر فيه بالهدوء والسكينة والأمن والأمان، ولم يعد تلك الراية التي ترفرف عاليا في السماء لتذكرك بأن ترفع رأسك لأنك في النهاية تنتمي لوطن يحميك ويتباهى بك كفرد من أفراده، ولم يعد ذلك الوطن الذي يستحق التضحية من أجله "على الأقل من جهتي" لقد أضحى وطني وطن النسيان والأحزان، وطن القهر والقمع، وطن فقدان الأمل، وطن البطالة والإقصاء، وطن "بّاك صاحبي" وطن قليل من الأغنياء وكثير من الفقراء.

تف على هذا الوطن! وألف تف مرة أخرى! على هذا الوطن إن لم يكن بنا كريما آمنا.. ولم يكن محترما.. ولم يكن حرا فلا عشنا.. ولا عاش الوطن!

فماذا يعني أن تبلغ العقد الثالث أو الرابع من عمرك وأنت لا زلت عازبا وبلا مأوى. ما ذا يعني أن تحمل شواهد جامعية ودبلومات مختلفة باحثا عن العمل دون جدوى، وغيرك دون تحصيل علمي يتقلد مناصب حساسة، وماذا يعني أن تجد ميزان العدالة في وطن صيغ بمقاسات من جهة الضعفاء فقط، وما ذا يعني أن تجد مفردات العدل والمساواة والعمل والكرامة لا وجود لها في قاموس وطني، ففي وطني كل المستشفيات مليئة ما يوحي بأن الجميع مريض، وكل السجون مكتظة يستحيل أن تجد شبرا تنام فيه من شدة الزحام، وكل الأسواق الممتازة محتكرة، و.. و..

ولا عجب أن الشباب اليوم يقف طوابير أمام الحواسيب يملؤون استمارات قرعة أمريكا وغيرها من البلدان في حلم جماعي وتمهن هلامي بحثا عن وطن. أو بالأحرى عن تذكرة ذهاب بلا إياب أيا كانت الوجهة.

وتحت ضغط وإلحاح الحاجات الضرورية التي لا يمكن تأجيلها، فقد فقدت انتمائي لهذا الوطن وزاد معدل الكراهية تجاهه. وكما قال الشاعر:
تف على هذا الوطن!
وألف تف مرة أخرى!
على هذا الوطن
إن لم يكن بنا كريما آمنا
ولم يكن محترما
ولم يكن حرا
فلا عشنا.. ولا عاش الوطن!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.