شعار قسم مدونات

الخدعة الماليزية

blogs - ماليزيا
شكلت ما تُسمى بـ"التجربة الماليزية" مصدر إلهام للعديد من الأدباء والمُنظرين العرب والمسلمين لسنوات طويلة، بل وأصبحت كلمة "ماليزيا" مرادفة للنهضة والنمو، وهذا ليس بغريب أن يُقترن اسم هذه المملكة الآسيوية بالعديد من تجارب الدول العالمية الناهضة، خاصة قطاعي التصنيع والتعليم.

استطاعت ماليزيا وخلال عقدين من الزمن أن تجذب انتباه قريناتها من الدول العربية والإسلامية، وأصبحت الوفود تَحجُ من كل صوب للاستفادة من هذه التجربة ونقلها لبلدانها، وقلما سمعنا من تلك الوفود رغبتها في الاستفادة من "التجربة الماليزية" ومحاولة نقلها وتطبيقها في العراق وفلسطين واليمن وليبيا وحتى في الإمارات والسعودية.

السؤال الذي يطرح نفسه دائماً، هل تستحق هذه التجربة فعلاً كل هذا التمجيد؟ أم أننا أصبحنا رهينة أحلام وتطلعات شعوب و"قبائل" تسعى إلى نهضتها، وتتطلع إلى مستقبل يملؤه الأمل والعيش الرغيد.
المتأمل في التجربة الماليزية يُدرك مدى تشابه الحالة الماليزية بغيرها من الثورات النهضوية في العديد من دول العالم، فالثورة الصناعية الأوروبية كان لها الأثر البالغ في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وها هي اليابان اليوم تتجاوز حدود تجارب الدنيا، تتبعها كوريا الجنوبية وتركيا وكازاخستان، فلماذا التجربة الماليزية بالتحديد؟

بلا شك أن ماليزيا وخلال سنوات قليلة استطاعت أن تُحقق قفزات نوعية في مسيرة التنمية المنشودة، فقد انتقلت الدولة من "قبائل" تقطن الغابات ذات الأشجار العالية، إلى شعوب تسكن تلك البنايات العالية التي تتوسط معظم المُدن الماليزية، وهذا بحد ذاته إنجاز يُسجل لهذا الشعب المُكافح، وللإدارات "المتعاقبة" التي وضعت مصالح شعبها أولاً، ومصالحها ثانياً.

نُرسل وفوداً تدريبية إليها لنجدهم مُستجمين على شواطئها الذهبية الخلابة، فماليزيا تسر الناظرين بجمالها، وتخدع المولعين بغرامها. نعم، لقد خدعتنا ماليزيا… فقد تراجعنا كثيراً وتقدمت هي كثيراً.

أما لماذا نُطلق عليها خدعة؟ الأمر ببساطة أن ماليزيا كمثيلاتها من الدول قد وضعت خططاً استراتيجية وسارت عليها خلال العقود الثلاث الماضية، فلا شيء مختلف عن الخطط اليابانية والتركية والكازاخية، وكل هذه الدول قد وضعت أهدافاً وتجاوزتها بكثير، وعند الحديث عن ماليزيا نتساءل ما الذي يختلف؟ وعلينا أن نتساءل أيضاً ماذا حققنا من انبهارنا بهذه التجربة؟

من الجميل أن نستلهم الرؤى والأفكار من غيرنا، والأجمل أن تكون هذه الأفكار محل تطبيق على أرض الواقع، والجميل أيضاً أن نأخذ من التجربة الماليزية ما نستطيع تحويله إلى برامج تنموية واقعية، لا أن تكون ماليزيا مقصداً سياحياً فقط، لهذا ننخدع بتجربتهم، أو لربما خدعتنا جُزرها السياحية الساحرة، وغاباتها المطيرة الدافئة، وانطلى الأمر علينا فأصبحنا عاجزين عن تقدير مواقفنا بعد.

ماليزيا في الواقع بلد التناقضات العجيبة، تخدعنا سلباً وإيجاباً، تخدعنا مبانيها الشاهقة وبيوتها الخشبية المُترهلة، يخدعنا بساطة ووداعة أهلها ولؤمهم بعض الشيء، لهذا لا نستطيع إطلاق الأحكام عليها بتاتاً، ولا ندري حقيقة ما يدور في خُلدهم، وماذا "يخططون"، وإلى ماذا يتطلعون؟ هل نجحوا فعلاً؟ هل نهضوا؟ أم يسيرون مكانهم؟ حقيقة لا ندري.

أسئلة كثيرة طُرحت هنا، ولعّل الإجابة عليها يتطلب منا دراسة تجربتهم بِعُمق بتأن، لا أن نُرسل وفوداً تدريبية إليها لنجدهم مُستجمين على شواطئها الذهبية الخلابة، فماليزيا تسر الناظرين بجمالها، وتخدع المولعين بغرامها. نعم، لقد خدعتنا ماليزيا… فقد تراجعنا كثيراً وتقدمت هي كثيراً. 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.