شعار قسم مدونات

مشكلة الطلاق في الهند

blogs-سوء معاملةالمرأة

تعددت الآفات الاجتماعية بين المسلمين بحيث باتت تهدد نسيج المجتمع الإسلامي بالتمزُّق، ومن جملة تلك الآفات مشكلة سوء فهم العامة لموضوع "الطلاق" من الناحية الشرعية. وقد اتفق لي ذات يوم أن كنت أتصفح أحد المواقع الإخبارية، فصدمني خبر مفاده أن ما يقارب التسعين مليون امرأة من مسلمي الهند يعشن في جحيم القلق من الطلاق، مما يعني أن تسعين مليون أسرة مسلمة مهددة بالانهيار، ومنذ ذلك الحين وأنا أفكّر بتلك القضية.
 

توصيف المشكلة: سوء الفهم
المحبة والكراهية مشاعر إنسانية طبيعية، لا يسعنا تجنب أحدهما بصورة كلية، وإنّما المفلح من يستخدم كلتا العاطفتين في مكانهما الأنسب وبالقدر الأنسب. وفي بعض الأحيان قد يحدث أن يكره الرجل من زوجته أمرًا ما فتثور ثائرة غضبه، وهنا ينطلق لسانه حلفاً بيمين الطلاق ثلاثًا قائلًا: أنت طالق، طالق، طالق.. أو: أنت طالق ثلاثًا، أو شيء من هذا القبيل. ونظرًا إلى سوء الفهم السائد، فإن المرأة بدورها تظن أنّها طُلقت بالفعل، فتحزم أمتعتها وتعزم على مغادرة بيت الزوج في حال من الكرب والانكسار. لنا أن نتخيل حال الأسرة في تلك الساعة، وشكل الحزن المخيِّم عليها، وطبيعة ما ينتظرها من بؤسٍ قريب ومعاناة لا تُرى لها نهاية.
 

للطلاق متطلبات تتعدى التعبير الشفهي في حال الغضب، فأوّلًا يتحتم على الزوج أن يخبر الزوجة أولاً بنيته في الطلاق، ثم ينبغي أن تدخل الزوجة في طهر لا يمسها فيه إلى ثلاثة قروء، هي فترة العدة.

نظرًا إلى أن منشأ المشكلة هو غضب يطرأ على الزوج، فإنّه سرعان ما يشعر بالندم فور انقشاع سحابة الغضب تلك ولكن، وحسب سوء الفهم السائد لآية الذكر الحكيم: "الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ" (البقرة: 230)، فيظن الزوج أنْ قد فات الأوان، فيقوده سوء الفهم إلى مشكلة أعظم، وتتمثل في البحث عن سبيل غير شرعي للمراجعة، أي إرجاع الزوجة، وهو ما بات يعرف بـ "المحلل"، والذي نشأت فكرته أيضًا من سوء فهم شائع لقوله تعالى: "فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ" (البقرة: 231). وعلى الرغم من أن حضرة خاتم النبيين محمد المصطفى (صلى الله عليه وسلم) استهجن تلك البدعة ونفَّر منها حين شبه فاعلها بـ "التيس المستعار"، فقال حضرته: "ألا أخبركم بالتيس المستعار؟ قالوا بلى يا رسول الله، قال هو المحلل، لعن الله المحلل والمحلل له". وفي كثير من الأحيان تمسي بدعة "المحلل" وبالًا على المرأة، وذلك على عكس ما كان يُتوقع، فتكون طريقًا مقنَّنًا لابتزازها وأكل مالها.

الغريب أنّ هذا الأمر بات تجارة منظَّمة تمارسها مؤسسات خاصة، بل وزاد الأمر سوءّا أن أُفرِدت لتلك البدعة غرفة في بعض المساجد ليتم إضفاء صفة الشرعية عليها، وما هي كذلك، إن يقولون إلا منكرًا من القول وزوراً. كذلك هناك مواقع خاصّة توفّر هذه الخادمات. بالطبع فإنّ معظم المسلمين يرفضون بدعة "المحلّل"، ولكنها ما زالت باقية إلى يومنا هذا، علماً بأن دولتان كباكستان وبنجلاديش حظرت هذه البدعة منذ عام 1961.

شريعة الإسلام تحسم القضية
من بين جميع الأديان نجد أن الإسلام قد حاز قصب السبق بقرون عديدة، إذ جعل مسؤولية نقض عقد الزواج مسؤولية مشتركة بين الزوجين كليهما، فليست إرادة الانفصال بيد الرجل دون المرأة، بل يحق للمرأة أيضاً أن تعلن عن رغبتها في الانفصال، وإن كان القرآن يعلن أن انفصال الزوجين بصورة الطلاق هو عند الله أبغض الحلال، أي أنه أحيانا كالدواء المر، أو كشرٍّ لا بد منه، وكذلك منح الإسلام المرأة الحق في تقرير مصيرها حتى ضد إرادة الرجل، فكان "الخُلْع" غير أن أمر الطلاق علقه الإسلام بشروط لا بد من تحققها حتى يقع الطلاق.
 

الشروط الواجب تحققها قبل أن يقع الطلاق

للمطلقة حق في رقبة الرجل، ويتمثل هذا الحق في نفقتها بحيث لا تحمل هم معاشها، لا سيما إذا كانت حاضنة.

قبل اللجوء إلى بتر العضو المصاب لا بد أوّلًا أن يُلْتَمَسَ سبيل لعلاجه، فينبغي أولاً سلوك سبيل الإصلاح، وذلك بأن يحضر حكم من أهل الزوج وآخر من أهل الزوجة بغية التوفيق، عملاً بقوله تعالى: "وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا" (النساء: 36)، حتى إذا ما باءت جهود كلا الحكمين بالفشل، يُبدأُ حينها في إجراءات الفصل، أي الطلاق.
 

وكأي بناء حين يُشْرَعُ في نقضه، فإننا نسلك خطوات مرتبة على عكس ترتيب بنائه أول مرة، كما وأن للطلاق متطلبات تتعدى التعبير الشفهي في حال الغضب، فأوّلًا يتحتم على الزوج أن يخبر الزوجة أولاً بنيته في الطلاق، ثم ينبغي أن تدخل الزوجة في طهر لا يمسها فيه إلى ثلاثة قروء، هي فترة العدة، كما بين سبحانه وتعالى: "وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ" (البقرة: 229)، وخلال تلك الفترة المحددة بثلاثة قروء يحق للزوج أن يراجع زوجته، فإذا ما راجعها تنتفي نية الطلاق التي أعلنها من قبل كأنْ لم تكن.
 

ليس موضوع الطلاق إذا مقام إظهار سطوة للزوج على الزوجة كما يشيع بين عامة المسلمين، وإنما هو أمر أريد منه درء الضرر الذي قد يترتب على حياة شخصين كارهين لبعضهما البعض، الأمر الذي تفسد معه تربية جيل بأكمله. وحتى بعد الطلاق، فإن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، فللمطلقة حق في رقبة الرجل، ويتمثل هذا الحق في نفقتها بحيث لا تحمل هم معاشها، لا سيما إذا كانت حاضنة، عملاً بالتنزيل الحكيم: "وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ" (البقرة: 234).

وفي النهاية ينبغي التذكير أن القرآن شريعة الإسلام هو كصيدلية تتوافر بها جميع الأدوية لكافة الأدواء، ومنها دواء الطلاق الذي يتصف بمرارته، فلا يُلْجأ إليه إلا في أضيق الظروف، وحتى قبل اللجوء إليه فثمة شروط ذكرناها آنفا لتعاطيه.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.