شعار قسم مدونات

على حافة الحاوية

blogs - طفل يأكل من القمامة
المادة (25) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان/ الجزء (1).. "لكل شخص الحق في مستوى من المعيشة كاف للمحافظة على الصحة والرفاهية له ولأسرته، ويتضمن ذلك التغذية والملبس والمسكن والعناية الطبية…"… وفي تقرير برنامج الأغذية العالمي (WFP) حول الجوع في العالم.. "هناك 795 مليون شخص في العالم يعانون في الوقت الحالي من نقص التغذية. وهذا يعني أن واحداً من بين كل ستة أشخاص تقريباً لا يحصل على ما يكفي من الغذاء للتمتع بصحة جيدة وحياة نشطة…".
عبارتان مقتبستان من مصدرين دوليين، استحضرتاني في لحظة، احترت بوصفها لقساوتها، وقساوة هذا العالم الكبير، أمام طفل صغير لم يتم العاشرة، بقدميه النحيلتين ويديه الضعيفتين، يحاول الوصول إلى حافة حاوية، كانت موضوعة إلى جانب الطريق بالقرب من جسر الدورة في بيروت.. الطفل كان يحاول النظر إلى ما في داخل الحاوية للبحث عن الطعام، فهو لم يجد إلى الآن إلا تفاحة رميت في الحاوية، لها من حاله نصيب، لا تسمن ولا تغني من جوع.

نظر إليّ بعينيه الصغيرتين الشاحبتين، نظرات خوف، عندما حاولت الاقتراب منه لسؤاله عن حاله، كان الذعر واضحا على وجهه، فقد علمت لاحقا، أنه كثيرا ما كان يتعرض للضرب من آخرين يحاولون سلبه فتات الطعام الذي يجده في الحاوية. ومن دون أن أتمكن من معرفة اسمه أو أي معلومة عن حاله، رحل، وكأنه رجل سبعيني ضاق ذرعا بالحياة ومرها، يجر قدميه على الأرض، وأذيال البؤس من خلفه، تروي حكايات آلاف الأطفال ممن حالهم كحاله.

تشير بعض التقديرات إلى أن 60% من البالغين يعانون من السمنة أو الزيادة في الوزن، ونتابع في المنطقة العربية، إذ تتصدر السعودية، وحسب دراسة نشرتها مؤسسة (باريلا) للغذاء والتغذية هذا العام، الدول الأكثر هدرا للغذاء في العالم.

غادرت المكان، ولم تغادر مخيلتي تلك الصورة التي تكونت عناصرها من طفل وحاوية وثمرة فاكهة رماها في القمامة أحد المترفين، لعدم حاجته لها.. كم غريب هو لبنان، هذا البلد الصغير بحجمه، الكبير بأزماته، إذ يعيش ما يقارب الـ 350 ألف مواطن لبناني وحسب تقديرات نشرها البنك الدولي عام 2016، بأقل من دولارين يوميا، أي أنهم لا يستطيعون تأمين غذائهم اللازم لحياة سليمة، عداك عن أن 29% من اللاجئين الفلسطينيين والسوريين في لبنان والبالغ عددهم ما يقارب 1.8 مليون لاجئ لا يستطيعون تأمين حاجات البقاء الخاصة بهم.

وما لبنان إلا حالة مصغرة من أزمة تعصف بالعالم وتشكل تهديدا دائما، تسعى منظمات دولية عدة لمحاربته، وإن كان ثلث سكان لبنان يعانون من الفقر وعدم قدرتهم على تأمين قوتهم اليومي، ففي اليمن، تلك البلد التي لا مفر من الخوض في الحديث عن المجاعة فيها عند الحديث عن تلك الأزمة العالمية، تهدد المجاعة ما يقارب 6 ملايين شخص حسب تقارير وإحصاءات للأمم المتحدة، في حين أشارت (اليونيسف) في تقرير لها أيضا إلى أن طفلا يمنيا يموت كل 10 دقائق بسبب سوء التغذية والأمراض، عداك عن 2.2 مليون طفل يمني أيضا يعانون سوء التغذية الحاد، ويحتاجون إلى العناية العاجلة.

أما عن مشهد الطفل صاحب العينين الشاحبتين، ليس أقل قساوة من مشهد ملايين الأطفال حول العالم، ممن يعانون من نقص في الغذاء، وما هذا المشهد الذي صور في بداية المقال إلا صورة حية تقرب الواقع للمتابع والمراقب عن بعد، إذ تشير إحصائيات برنامج الأغذية العالمي إلى أن 795 مليون شخص في العالم يعانون من نقص التغذية، ما يعني أن واحداً من بين كل ستة أشخاص تقريباً لا يحصل على ما يكفي من الغذاء للتمتع بصحة جيدة وحياة نشطة، منهم وحسب المصدر نفسه 66 مليون طفل في سن الدراسة الابتدائية في البلدان النامية يحضرون دروسهم وهم جوعى، 23 مليون منهم في قارة أفريقيا وحدها.

على الضفة الأخرى من أزمة الغذاء في العالم، وانطلاقا من لبنان الذي كان مثالنا المصغر للأزمة، تشير بعض التقديرات إلى أن 60% من البالغين يعانون من السمنة أو الزيادة في الوزن، ونتابع في المنطقة العربية، إذ تتصدر السعودية، وحسب دراسة نشرتها مؤسسة (باريلا) للغذاء والتغذية هذا العام، الدول الأكثر هدرا للغذاء في العالم بمعدل 427 كلغ للفرد، فيما حلت الولايات المتحدة في المركز الثالث بمعدل 277 كلغ للفرد سنويا، ليبقى هذا التوزيع غير العادل للغذاء في العالم وتلك المجاعات الحاصلة في مناطق متفرقة منه، برسم المؤسسات والمحافل الدولية المعنية، لعلها في يوم تصل أهدافها وتؤمن الغذاء الكافي بطريقة عادلة بين كل مناطق العالم، ولعلي أنا في يوم أعود لجسر الدورة ولا أجد ذلك الطفل الجائع والمثقل بالهموم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.