شعار قسم مدونات

الشهيد مازن فقهاء.. رجل من عظماء الظل

blogs - مازن فقهاء
كم هو صعب أن تحيا حياة المطاردة، وتعيش الغربة في وطنك وبين أهلك، هم كثر الذين يحيون هذه الحياة في فلسطين من امتلكوا النهج ورسموا الدرب وساروا بلا وجل أو خوف من أجل، هم الشهداء الأحياء الذين يرقبون عدوهم كل يوم وكذا هو يترقبهم كل يوم والحرب سِجال، ويصوِّر النص القرآني هذه الحالة بقوله تعالى: "وَإذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ" الأنفال30.

أبى يوم الجمعة أن يرحل إلا بصحبة الشهيد مازن، فرحل العظيم بصحبة العظيم، وباتت غزة ليلة حزينة، معلناً الليل فيها عن أفول القمر، تودع فلسطين اليوم رجلاً من عظماء الظل، الشهيد المهاجر مازن فقهاء ، ولعل المطّلع على ومضات من سيرته سيدرك أن لهذا الرجل بصمات وجولات وصولات مع عدونا.

الشهيد مازن من مواليد طوباس قضاء جنين في عام 1979، حاصل على شهادة البكالوريوس في إدارة الاعمال من "جامعة النجاح" في نابلس. حفظ القرآن كاملا في سن مبكر، وعُرف عنه صمته الدائم، وخُلقُه الحسن. التحق بصفوف حركة حماس في سن مبكر ناشطا د عويا بارزاً. ومن ثم التحق بكتائب الشهيد عزالدين القسام، وأصبح قائدا بارزا فيما يُعرف بالمنطقة الشمالية، وعمل مع قادة بارزين في القسام أمثال الشهيد نصر جرار وسليم حجة وقيس عدون وأيمن حلاوة.

وكما وعدتنا المقاومة في غزة، فإن جديدها لا تقدِّره الحسابات ولا التحليلات، ولن تمر الجريمة دون عقاب، وستفرح قلوبنا وسيندم عدونا وإنا مرتقبون.

كان له دور بارز وبصمات في العديد من العمليات الاستشهادية أبرزها مشاركته في الإعداد لعملية "القدس" عام 2001، والتي كان منفذها الاستشهادي "عزالدين المصري" والتي أسفرت عن مقتل أكثر من 19 صهيوني. وبعدها بعام، جاءت عملية "صفد" عام 2002 والتي نفذها الاستشهادي "جهاد حمادة" والتي قُتل فيها العديد من الصهاينة، كان جُلُّهم من الخبراء في مفاعل "ديمونا" النووي، وكانت هذه العملية ردا على استشهاد الشيخ "صلاح شحادة".

اعتقل في عام 2002 فيما يعرف بعملية "السور الواقي" التي استهدفت المقاومة الفلسطينية المسلحة في كافة محافظات الضفة الغربية، وقد حُكم على مازن بتسع مؤبدات و50 عاماً إضافية. وتم الإفراج عنه في صفقة وفاء الأحرار التبادلية عام 2011 وأُبعد إلى قطاع غزة. اتهمه العدو الصهيوني بالمسؤولية عن التخطيط والتوجيه والتمويل لعملية قتل المستوطنين الثلاثة في مدينة الخليل عام 2014.


ومن عايش الشهيد مازن خبر عنه الحكمة والاناة والصمت والقوة والفعل والجرأة، عرفته ساحة الضفة الغربية مقاوماً شرسا ضد العدو الصهيوني، حيث كان له الدور الهام في إعادة تفعيل المقاومة بعد أكثر من ضربة تعرضت لها، حيث اخترق حاجز الخوف من العدو وضربه في مقتل في عملية وصفت بالنوعية مكانا وزماناً وهدفاً وهي عملية "صفد" التي انتقم فيه لاغتيال القائد العام للقسام الشيخ "صلاح شحادة". أما ساحات السجون فما زادته إلا صلابة وعزيمة وإصرار.. وكان يلمح الناظر في عينيه دوما التفاؤل والأمل بعد الله في إخوانه بأن يفكوا قيده، وكان له ذلك أن قامت كتائب القسام بأسر الجندي جلعاد شاليط وإبرام صفقة وفاء الأحرار التبادلية مع العدو الصهيوني عام 2011.

أما في غزة فكان شعلة من النشاط والعمل الدؤوب مع إخوانه بهدف إحياء وترميم العمل المقاوم في الضفة الغربية، فعمل في شتى المجالات بهدف إعادة الوعي الثوري في الضفة الغربية، وكان له دور كبير في انتفاضة القدس توجيها ودعماً، وكان الشهيد ورفاقه يبذلون أقصى جهودهم في هذا الهدف، فالضفة الغربية تعتبر التهديد الاستراتيجي للكيان الصهيوني، ويتعامل معها بدرجة عالية من الأمن والمتابعة، ويضعها في درجات الأولوية العليا لما تمثله من خاصرة ضعيفة له.

إنّ عظماء الظل دوما تتحدث أفعالهم عنهم ويبلغ صمتهم الآفاق، يوجِّهون البوصلة ولا يفقدون الطريق، لا تلين لهم قناة ولا يخور لهم عزم، وما نعرفه عن الشهيد مازن أنه من الذين اتخذوا الظل مكانا يخططون ويدبرون ويفعلون، فصفحات جهاده حتماً سيأتي يوم وتُنشر..

ارتقى الشهيد مازن في عملية اغتيال صامتة برصاصاتها، ولكنها أحدثت دويا في أرجاء غزة لم تفعله القنابل ولا الطائرات.. تحمل بصمات الموساد الإسرائيلي بامتياز في معادلة جديدة مع غزة، لكن كما وعدتنا المقاومة في غزة فإن جديدها لا تقدِّره الحسابات ولا التحليلات، ولن تمر الجريمة دون عقاب جديد، وستفرح قلوبنا وسيندم عدونا وإنا مرتقبون.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.