شعار قسم مدونات

مخيم!.. نهاية الحلم وبداية العودة

blogs - مخيم لبنان
"فليرحلوا… فليحملوا أمتعتهم وليرحلوا.. ما عدنا نريد المخيمات"… هذه واحدة من تعليقات كثيرة، تعقب كل خبر ينتشر عن المخيم. وكم كثيرة هي الشائعات والأخبار التي يتم تداولها عبر وسائل الإعلام المختلفة في الدرجة الأولى، وعلى الصعيد الشعبي في الدرجة الثانية، حول تلك المخيمات الـ 12 والتي توزع على كافة الأراضي اللبنانية من شمالها لجنوبها وتضم ما يزيد عن 400 ألف لاجئ فلسطيني هجروا من فلسطين ويمكثون هنا منذ أكثر من 68 عاما.

أنا ابن أحد المخيمات تلك، أعرفها جيدا، أعرف الـ 12 مخيما جيدا، لكني أظن أني ما عدت أعرف ذلك المخيم الذي ولدت فيه، أو أن ما يتم تداوله يقصد به مخيمات أخرى غير تلك التي أعرفها. لذلك، قررت خوض رحلة داخل المخيم، وكأنها الجولة الأولى لي في طرقاته وأزقته. دخلت وفي مخيلتي تلك المشاهد التي تبثها وسائل الإعلام، فالمخيم من خلف عدسات كاميراتهم يبدو كأوكار الإرهاب، تجمع لتجار المخدرات، مراكز كبيرة لتجارة الأسلحة، وأخيرا وصل الحد بالبعض لاعتباره مركزا للاتجار بالأعضاء البشرية.

لا يا أصحاب الجلالة، فما المخيم إلا محطة مؤقتة لتلك العودة المؤكدة، وما المخيم إلا مجتمع صغير منفتح على الجميع ومفتوح للجميع، فأنا أؤكد لكم، أنكم إن دخلتم إلى المخيم، لن تخرجوا منه قبل أن تحتسوا كوبا من الشاي وقطعة من الحلوى، قد يقدمه لكم شخص استوقفتموه في الطريق لمساعدتكم للتجوال داخل المخيم.

المخيم يا أصحاب الأرض، ما هو إلا مجتمع كباقي المجتمعات، فيه الطيب وفيه السيئ، وإن كان لا يخلو من بعض الأحداث، فهو لا يخلو أيضا من كل تلك العلاقات والراوابط الاجتماعية والثقافية والتربوية، فالمخيم، نهاية حلم، وبداية عودة..

في المخيم يا سادة، تلك المسنة صاحبة الظهر المنحني، ترى في انحناء ظهرها وتجاعيدها كل المآسي التي مرت على اللاجئين الفلسطينيين، ولا تزال تبتسم، في المخيم ذلك الطفل البريء الذي يظن أن المخيم هو فلسطين، في المخيم، جدتي التسعينية، تحدثني عن تلك البيارات، وشجرات الزيتون الثلاث قرب المنزل، تخبرني عن ضيعتنا هناك في مرتفعات الجليل، وتقول لي لما أسموها "مغر الخيط". وفي المخيم ذلك الكهل الذي يروي الشيب في رأسه عن كل رصاصة أطلقها في وجه الجيش "الإسرائيلي" عندما حاول اجتياح بيروت.

في المخيم يا أكارم ذلك الشاب المثقف، الذي قرر أن يعيش المرحلة، ويحمل على عاتقه إعلاء صوت فلسطينه في كل مكان يتواجد فيه، لعله يجد من يسمع. في المخيم تلك المدارس الابتدائية والتكميلية والثانوية، التي أحرز طلابها أفضل النتائج في الامتحانات الرسمية على صعيد لبنان، وفي المخيم المؤسسات الثقافية والتربوية والاجتماعية إلى جانب تلك المؤسسات التي تصر مرارا وتكرارا على التأكيد على حق العودة، والتذكير بأن المخيم، ما هو إلا الخطوة الأولى والمرحلة المؤقتة لتلك العودة المنتظرة.

تابعت مشواري في المخيم، وعرجت إلى تلك الأزقة الضيقة فيه، في زقاق المخيم، تشم رائحة الطبخ الفلسطيني، رائحة "المسخن" و"المجدرة"، في الزقاق ترى جلسة الجارات يجتمعن، كل عند عتبات باب بيتها لتزاحم الأبواب جنبا إلى جنب، في الزقاق طفل يحمل سكبة من طبق اليوم، أرسلتها معه أمه لجارتها، فذلك من عاداتنا أيضا، وفي الزقاق أطفال ابتكروا لعبتهم الخاصة، وصنعوا من "زواريب" اللجوء الضيقة عالمهم الواسع.

في الزقاق، رجل أربعيني نصب "بسطة" لبيع الحلويات أمام باب داره ليعيل زوجته وأطفاله، وآخر، قرر نصب أرجوحة لأن العيد قد اقترب، وللعيد في المخيم نكهة آخرى وحكاية ثانية. المخيم يا أصحاب الأرض، ما هو إلا مجتمع كباقي المجتمعات، فيه الطيب وفيه السيئ، وإن كان لا يخلو من بعض الأحداث، فهو لا يخلو أيضا من كل تلك العلاقات والراوابط الاجتماعية والثقافية والتربوية، فالمخيم، نهاية حلم، وبداية عودة..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.