شعار قسم مدونات

ماذا بعد سقوط الثورات؟

blogs - من شباب الثورة

مع فارق الزمان والمكان إلا أن هناك حالات تشابه كبير بين إرهاصات الثورة الفرنسية أثناء فعلها الثوري وبين ما يحدث اليوم من إجهاضٍ لثورات الربيع العربي، تشابهت الظروف وتشابه الأعداء واختلف الفرقاء السياسيين فسقطت الثورات .في 11 يوليو 1792م قُبيل نجاح الثورة الفرنسية الثانية أصدرت الجمعية التشريعية للثورة الفرنسية بيان تقول فيه ( أيها المواطنون إن الوطن في خطر) وقبلها كان لا يزال الفعل الثوري بين القيام والسقوط منذ بدايات العام 1778م.

في إثر ذلك البيان كانت تعيش فرنسا حالة انهيارٍ تامٍ، طبقة النبلاء غادرت البلاد برؤوس أموالها وانضمت لمعسكر الثورة المضادة، وقبلها وصل عدد النبلاء إلى ثلاثة ملايين نسمة بمعنى ما نسبته 1.5 بالمئة من تعداد سكان فرنسا يومها، تُعد طبقة النبلاء الطبقة الثانية من حيث الأهمية بعد رجال الدين في البلاط الملكي، كانت تشغل المناصب العليا في الجيش وتحظى بامتيازات تميزها على سائر الشعب.

حاربت طبقة رجال الدين الثورة وعارضت قراراتها في المجلس التأسيسي من أجل الحفاظ على هيمنتها ومصالحها التي أثقلت كاهل الشعب، وصل عدد رجال الدين في ليلة الثورة إلى قرابة 40 ألف راهب، كان لهم امتيازات في البلاط الملكي وبين عامة الشعب وتملك الطبقة الكثير من الأراضي والأديرة المؤجرة لصالحها.

تدهور موقف العسكر على طول جبهات القتال ضد أعداء الثورة الفرنسية بالخارج ومع أعدائها بالداخل، وانتهت الحرب الخارجية الخاسرة بخيانة الجنرال ويمور سييز قائد الجيش وانضمامه لمعسكر الثورة المضادة
تدهور موقف العسكر على طول جبهات القتال ضد أعداء الثورة الفرنسية بالخارج ومع أعدائها بالداخل، وانتهت الحرب الخارجية الخاسرة بخيانة الجنرال ويمور سييز قائد الجيش وانضمامه لمعسكر الثورة المضادة
 

وصل تعداد الفرنسيين في عشية الثورة إلى 24 مليون نسمة في حين أن تعداد سكان إنجلترا يومها لا يتجاوز 9 ملايين نسمة، تضخم حجم العملة الورقية المتداولة في السوق إلى 2.4 مليار، أُغلقت مصانع الغلال أبوابها أمام الشعب وثورة الجياع بدأت تعصف بمكتسبات الثورة وتهدد مسارها الثوري.

قدمت الحكومة استقالتها إلى الملك، رفض جزءٌ كبير من الملكيين في الجمعية التشريعية للثورة التصويت على خلع الملك، طالب الملك بحق الفيتو والنّقض في القوانين التي تُشرِعها الجمعية، عانى مجلس الثورة من انقسامٍ حادٍ بين أعضاء حزب الجبل من جهة وأعضاء حزب الجراند الموالي للملكية من جهة أخرى، وصل عدد المسجونين والمعتقلين خلال العمل الثوري إلى 3000 سجين، وبلغت عدد حالات الإعدام إلى 16000 ألف حالة حتى قُبيل نجاح الثورة.

عبر العلاقات الملكية كانت الملكة ماري أنطوانيت تراسل ملوك أوروبا للتصدي لتهديدات الثورة الفرنسية وتحذر أنها ستجوب كل أوروبا إن لم تُجهض في مهدها، أعلنت كلاً من إنجلترا وهولندا وبلجيكا وإسبانيا وإيطاليا والنّمسا وبروسيا الحرب على الثورة الفرنسية، تقدمت قواتها إلى الحدود مع فرنسا، سقطت مدينة لونجواى على الحدود مع بلجيكا بيد تحالف ملوك أوروبا، وسقطت مدينة فردان بين يدي البروسيين واغتال الملكيون قائد الجيش الثوري ثم سيطروا على غابة الأرجون التي تبعد عن العاصمة باريس قرابة 180 كيلو متر أصبح الخط مفتوحا إلى العاصمة باريس أمام قوات تحالف ملوك أوروبا، سقط ميناء طولون الفرنسي في جنوب البلاد بيد الإنجليز وسيطروا على إقليم الفانديك وقام الإنجليز بحرب إبادة هلك فيها 15 بالمئة من سكان الإقليم.

تدهور موقف العسكر على طول جبهات القتال ضد أعداء الثورة الفرنسية في الخارج ومع أعدائها في الداخل، انتهت الحرب الخارجية الخاسرة بخيانة الجنرال ويمور سييز قائد الجيش وانضمامه إلى معسكر الثورة المضادة.

كانت تلك هي الحالة التي وصلت إليه الثورة الفرنسية قبل أن تحصد ثمار ثورتها المباركة فيما بعد، ومثلها على الساحة العربية اليوم تجري الأمور بنفس الدوافع والأهداف، تحركت الممالك والمشيخات العربية في سبيل إجهاض الثورات العربية وكان لها ما أرادت لخوفها أن يمتد ذلك الفعل الثوري ويهدد مصالحها وحكمها الملكي الاستبدادي، أبادت الشعوب واعتقلت الآلاف وشردت الملايين ونكست الأحلام على أعقابها وبدلت الأرض غير الأرض والسماء غير السماء.

الذي يقرأ تاريخ الثورات وينظر إلى المعطيات على الأرض يرى أن وراء كل هذا الخوف الذي تعيشه أنظمة الاستبداد نوراً سيعم ضوؤه الوطن العربي
الذي يقرأ تاريخ الثورات وينظر إلى المعطيات على الأرض يرى أن وراء كل هذا الخوف الذي تعيشه أنظمة الاستبداد نوراً سيعم ضوؤه الوطن العربي
 

تحالف رجال الدين مع الأنظمة الاستبدادية وجعلوا من الدين عباءة يلبسونها ويخلعونها متى شاءوا، انتشر الفقر والجوع والمرض والدمار، وذهبت الأخلاق والقيم والأعراف والإنسانية بين ذوي الجلدة الواحدة، وجاء الأعداء من كل حدبٍ ينسلون، وظن أعداء الثورة أنهم قادرون عليها، حتى إذا ضاقت الأرض على أهلها بما رحبت، جاء أمر الله فكان للشعوب الحرة ما أرادت وسعت وناضلت من أجله.

سيستمر هذا المخاض الثوري العربي وحتما سيعم ما تبقى من الأرض العربية، وما كانت حادثة بو عزيزي بتونس إلا كحادثة سجن الباستيل في بدايات الثورة الفرنسية، ولن تنتهي إلا كما انتهت الثورة الفرنسية يوم أن قضت على الأنظمة الإقطاعية والارستقراطية الطبقية في كل أوروبا، سيقف الإسلام واصباً كما جاء في أول يوم، سيذهب رجال الدين من الكهنة والمطبلين والنفعيين، سيذهب الغثاء وتعيش الشعوب العربية لحظات قطف الثمار.

لا أريد بكلامي هنا أن أعيش حالة من النشوة والأحلام الخيالية، ولكن الذي يقرأ تاريخ الثورات وينظر إلى المعطيات على الأرض يرى أن وراء كل هذا الخوف الذي تعيشه أنظمة الاستبداد نوراً سيعم ضوؤه الوطن العربي، ربما يرى البعض أن مقومات الأمل تكاد تكون صفرية وقد يكون ذلك صحيح، وإن كانت كذلك فإن الثورة الصينية حين قامت لم يكن لها من المقومات سوى طالباً تخرج لتوه من قسم الفلسفة من أسرة متوسطة، فقاد الصين إلى نصرٍ عظيمٍ، وها هي الصين اليوم أحد أهم أقطاب العالم اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً، ومثلها فعلت الثورة الهندية والبلشفية والأمثلة على ذلك كثيرة. حتماً ستكون الثورات العربية يوماً ما على طريق النصر، وحتماً سيكون لها ثمناً باهظاً يجب أن تدفعه.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.