شعار قسم مدونات

الاستعمار في القرن الحادي والعشرين.. اليمن أنموذجا

Huthi rebels, dressed in army fatigues, march in a parade during a gathering in the capital Sanaa to mobilize more fighters to battlefronts to fight pro-government forces in several Yemeni cities, on January 1, 2017. / AFP / Mohammed HUWAIS (Photo credit should read MOHAMMED HUWAIS/AFP/Getty Images)
في القرن العشرين كان الاستعمار يكتسح الدول بجيوشه ويحكم سيطرته عليها بقوته، بينما الاستعمار في القرن الواحد والعشرين يختلف تماماً في الطريقة والأسلوب عن الاستعمار في القرن العشرين. استعمار القرن الواحد والعشرين ليس بالهجوم على الدول المستهدفة بجيوش الدولة المستعمرة وإنما بجيش الدولة المراد استعمارها. هذا هو حال الاستعمار في العصر الحالي، السيطرة على الدول عن طريق إحكام القبضة على جيش الدولة وإخضاعه لتوجيهات وأوامر الدولة المستعمرة. لا يحتاج استعمار الدول النامية اليوم لبذل مزيد من الجهد للسيطرة عليها. لقد أصبح بالإمكان استعمارها عن بعد عن طريق جيش البلد نفسه، بحيث يكون ولاء الجيش لدولة الاستعمار أكثر من ولائه لوطنه وتغرس فيهم عقيدة توافق هوى المستعمر وتحقق له ما يصبو إليه.
مصر مثلاً تمتلك جيشا قويا لكن إرادة هذا الجيش وقراره مرتهن بالبيت الأبيض. الدعم العسكري الذي يتلقاه الجيش المصري من قبل أميركا وحلفها من صهاينة العرب ليس من أجل بناء جيش قوي لحماية مصر وإنما للسيطرة على ذلك الجيش واستخدامه بما يوافق هوى المستعمر الجديد. لا يمكن للجيش المصري أن يخالف هوى أميركا في كل ما تأمره به. تستطيع أميركا وحلفها من صهاينة العرب تنفيذ عشرات الانقلابات بجيش البلد نفسه حينما يتصدر للحكم من ليس في طاعتهم ولا يخضع لسيطرتهم. السيطرة على الجيش تعني السيطرة على البلد.

ما يحصل في اليمن حالياً من قبل الإمارات وما تنشئه من أحزمة أمنية خارجة عن سلطة الشرعية، هي محاولة للسيطرة على الجيش اليمني سيطرةً تامة. بدأت الشرعية بعد تدخل التحالف في بناء جيش وطني لاستعادة الجمهورية اليمنية. لم يرق ذلك لدولة الإمارات فهي ترى بإن تحرير اليمن وتكوين جيش وطني فيه يعني ذهاب حلم الإمارات بالسيطرة على اليمن أدراج الرياح. تدرك الإمارات أن الجيش الوطني الذي تم تشكيلة لن يكن خاضعاً للإمارات ولا للملكة العربية السعودية. ولاء الجيش الوطني الذي تم تشكيلة من قبل الشرعية سيكون ولاءً وطنياً خالصاً للجمهورية اليمنية وهذا ما تتحاشاه الإمارات.

شكلت الإمارات أحزمة أمنية في عدن وبالمثل شكلت جيشا خاصا بها في شبوة وحضرموت أطلقت عليه اسم النخبة الشبوانية والنخبة الحضرمية، حالياً تفرض ضغوط قوية لتشكيل حزام أمني في تعز وحزام
شكلت الإمارات أحزمة أمنية في عدن وبالمثل شكلت جيشا خاصا بها في شبوة وحضرموت أطلقت عليه اسم النخبة الشبوانية والنخبة الحضرمية، حالياً تفرض ضغوط قوية لتشكيل حزام أمني في تعز وحزام

نجاح الشرعية في تكوين هذا الجيش الوطني الخارج عن سيطرة الإمارات يشكل خطراً كبيراً على الأهداف الاستعمارية للإمارات كما أنها لن تتمكن من بسط السيطرة والنفوذ والتحكم بصناعة القرار في اليمن مستقبلاً. تدرك الإمارات أن الجيش الوطني الذي شكلته الشرعية لن يسمح بتمرير المخططات القذرة الني تريدها. تنظر الإمارات للأمر من زاوية بعيدة. تدرك الإمارات أنه وبعد تحرير اليمن ستنطلق العملية الديمقراطية وسيكون الجيش الوطني حامياً للعملية الديمقراطية وسبباً في نجاحها.

قد تأتي الديمقراطية بمن لا تريده الإمارات، بل أن نجاح الديمقراطية في اليمن أو أي بلد عربي أمر تتحاشاه هذه الدول. وبالتالي فإن الجيش اليمني ينبغي أن يكون ولاؤه لهم وليس للحكومة الشرعية أو للوطن ومن الضرورة أن يتم السيطرة عليه لاستخدامه فيما بعد لتمرير ما يريدون. السيطرة الإماراتية السعودية على الجيش يريدون من وراءها استخدامه لتنفيذ انقلابات مستقبليه على الديمقراطية الحرة والنزيهة التي ينشدها الشعب اليمني والتي خرج من أجل تحقيقها في ثورة فبراير أو استخدامه في الانقلابات على كل ما يخالف هواهم في اليمن وها هو حزام الإمارات الأمني اليوم يمنع محافظ عدن من ممارسة مهامه كما يمنع هادي وحكومته من العودة لعدن. لا تمانع الدولتين في تنفيذ ديموقراطية صورية مزيفة بعد انتهاء الحرب وعودة الحياة في اليمن يصل بها الي سدة الحكم من يريدون، ولتفيد هذا المخطط لابد وأن يكون الجيش اليمني في قبضتهم.

من أجل تحقيق ما ذكرناه سابقاً عملت الإمارات على تكوين جيش خارج سيطرة الشرعية. الأحزمة الأمنية التي شكلتها الإمارات هي جيش اليمن في المستقبل أو 80 % من جيش اليمن في المستقبل. ولاء الأحزمة الأمنية ليس للشرعية ولا الجمهورية اليمنية بل للإمارات والمملكة السعودية، وهذا ما تريده الإمارات لضمان السيطرة على اليمن والتحكم بمستقبله السياسي. المملكة السعودية أعطت الضوء الأخضر للإمارات لتنفيذ المخطط. ما تعمله الإمارات هو ما تريده المملكة فكلاهما يسعيان لنفس الهدف، الا أن المملكة تقف خلف الإمارات وتتظاهر بالصمت والعجز كونها لا تريد أن تخسر حزب الإصلاح الذي تحالف معها ويقف إلى جانبها من أجل تحرير اليمن في مختلف الجبهات.

شكلت الإمارات أحزمة أمنية في عدن وبالمثل شكلت جيشا خاصا بها في شبوة وحضرموت أطلقت عليه اسم النخبة الشبوانية والنخبة الحضرمية، حالياً تفرض ضغوط قوية لتشكيل حزام أمني في تعز وحزام أمني في مأرب وستعمل على تشكيل أحزمة أمنية في كل محافظة يتم تحريرها. لن تتراجع الإمارات عما تريده ولن تقبل الشرعية الأمر بسهولة وبالتالي سيستمر الوضع على ما هو عليه لسنوات طويله. تدرك الشرعية أن الإمارات ستعبث باليمن إن هي سيطرت عليه بالأحزمة الأمنية. لن يتحقق الأمن ولن يتحقق الاستقرار وستسيطر الإمارات بشكل كلي على قرارات الحكومة وعلى مستقبل اليمن السياسي وستنهب خيرات البلد دون حسيب أو رقيب وما تفعله الإمارات في مناطق سيطرتها اليوم خير دليل لأولي الألباب.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.