شعار قسم مدونات

يريدون أسلمة الأجيال القادمة في مصر

blogs- مصر
في مصر يطالعنا بدء العام الدراسي الجديد، وتفاجئنا بعض الصور من داخل إحدى المدارس الخاصة، فنرى فيها مدير المدرسة ومعه التلاميذ في صفوف كثيرة بساحة المدرسة يصلون الظهر في جماعة. تعطلت أنشطة المدرسة، وتعطلت الحصص الدراسية، تعطل التلاميذ عن تحصيل العلوم، هكذا يريدون في مصر، يريدون أسلمة الأجيال وتعليمهم الصلاة، وإلباس التدريس مظهر الدينِ والتدين، وكأنهم يريدون غرس الإيمان في النشء الجديد حتى لا تؤثر فيه اختلاط الثقافات أو حتى يدافع عن هويته ودينه.

هذه المقدمة هي بعض مما قيل عن صورةٍ تم نشرها -بقصدٍ أو بغير قصد- لمدرسةٍ تؤدَى فيها صلاة الظهر، وبالطبع تلك المدرسة ليست ملكاً لجماعة الإخوان المسلمين؛ لأنها إن كانت تابعة لهم لتمت مصادرتها وتغيير مجلس إدارتها منذ سنواتٍ مضت، إنها مدرسة وفقط، بها مدير يحب صلاة الجماعة -كما يبدو- ويريد أن يعلّم التلاميذ حب الصلاة كما يعلمونهم حب اللغات والعلوم الأخرى.

في مصر، إلغاء دور الأزهر الشريف تدريجياً حتى فيما يخص الدين، وإثارة الفتنة بين الأزهر كمؤسسة وبين وزارة الأوقاف.

من يهاجم أداء إحدى الصلوات الخمس التي هي من الأركان الأساسية للدين الإسلامي، ويريد منع الصلاة؛ من أجل الأنشطة والفسحة هو نفسه في الجهة الأخرى من يتعامى أو يشارك في إجراءات كثيرة تحارب التمسك بالقيم والأخلاق الإسلامية.
 

وإليك بعض تلك الإجراءات:
منع بناء المساجد إلا بمساحاتٍ معينة، وإجبار من يريد بناء مسجد أن يتكفل بتكاليفه، وجمع التبرعات له، والتفكير في تحصيل فواتير الكهرباء والماء من المصلين، فهل حقاً أن الدولة المصرية في حاجة ماسة لتحصيل فواتير كهرباء المساجد؟ أم أن الأمر أبعد من ذلك؟ وهو تكليف المواطنين مصروفاتٍ إضافية فوق مصروفاتهم اليومية؛ لتكون النتيجة حصر أداء الصلاة في المنازل؛ تفاديا لدفع تلك المصروفات؟

السماح بمهاجمة الأئمة الأعلام من السلف والخلف، ومهاجمة ثوابت الدين ومحاولة التشكيك بها من خلال بعض الأشخاص في القنوات الفضائية، تحت مسمى باحث إسلامي، بلا رادع للمهاجمين والمعتدين بغير حق.

العبث بالمناهج التعليمية والنصوص القرآنية والأحداث التاريخية، ومحاولة النيل من الشخصيات الإسلامية التاريخية، سواء من كانت دينية كالإمام ابن تيمية أو قيادية وعسكرية كعمرو بن العاص وصلاح الدين الأيوبي، وكل ذلك تحت مسمى تنقيح المناهج؛ مما يدعوا للإرهاب.
 

إلغاء دور الأزهر الشريف تدريجياً حتى فيما يخص الدين، وإثارة الفتنة بين الأزهر كمؤسسة وبين وزارة الأوقاف، وإحداث صراع المناصب داخل المؤسسات التي خصصت سلفا لخدمة الدين والمواطنين، وذلك بتقديم شخصياتٍ ولاؤهم للمناصب وليس للمسئولية التي يقتضي عليهم واجبهم أن يقوموا بها.
 

محاولة فرض نموذج غريب مما يسمى بتوحيد خطبة صلاة الجمعة، بلا دليل أو سند ديني؛ وذلك بهدف السيطرة على فكر الأئمة والخطباء في جميع المحافظات، بل هو محاولة لقتل الاجتهاد والتفكير.

ما يقال اليوم عن الصلاة في المدارس ومحاولة منعها، سيقال غدا عن الصيام في رمضان، وسيقال بعد غد عن الحجاب، كما تفوهوا به عن النقاب بالأمس القريب.

كل ذلك وأكثر يحدث في مصر بلد الأزهر الشريف الغارق في الصمت المريب، ثم يأتي بعض الإعلاميين ويتطاول متهكما على من يصلون الظهر في جماعة، ويقول: إنهم يريدون أسلمة الأجيال القادمة، وكأنه يتحدث عن أجيالاُ نصرانية أو بوذية ويحاول المعلمون بالمدارس تعليمهم الإسلام، وكأنه لا يدري أنه يتحدث عن تلاميذ ومعلمين مسلمين.
 

ما يقال اليوم عن الصلاة في المدارس ومحاولة منعها، سيقال غدا عن الصيام في رمضان، وسيقال بعد غد عن الحجاب، كما تفوهوا به عن النقاب بالأمس القريب. من يصرخون في القنوات لكي يتم منع الصلاة في المدارس ومنع تدريس ما يمت للإسلام بصلة، هم أنفسهم من يهاجمون النقاب وإدانة الإفطار في نهار رمضان وغيرها من القيم والمظاهر الإسلامية .إنه الكيل بمكيالين، إنها ازدواجية المعايير والمبادئ، إن وجدت بالأساس.

من يهاجم هنا فهو على الطرف الآخر متغاض ومتجنب الحديث أو التعرض بكلمة واحدة عن مناهج المدارس المرتبطة بالكنيسة وممارساتها في مصر، من تدريس مناهج دينية وإقامة الصلوات وغرس المفاهيم النصرانية في التلاميذ منذ مرحلة الروضة والابتدائية. ولا يتجرأ المتطاولون هنا على التعرض لبعض الفقرات من الإنجيل أو المقدسات النصرانية سواء كانت شعائر أو نصوص ، ونحن لا ندعوهم لمهاجمة أي دين أو كتابٍ مقدس، ولكننا نقارن بين فعلين متناقضين. وكل ذلك يحدث تحت مسمى تنفيذ الثورة الدينية المزعومة. 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.