شعار قسم مدونات

دراما شابيوكوينسي الواقعية

blogs-ccc

يقولون: إن أهم لحظات العمر هي اللحظة التي تسبق انتهاءه مباشرة، فيها تتوقف الحياة كاملة، وتقف لتقابل الموت في انعزال، داخل أشد أراضي الخيال ظُلمة، وينظر كُل منكما للآخر نظرة الوداع، وبينكما يمرُ شريط الحياة التي تلفظ أنفاسها الأخيرة بسرعة لا يمكن إدراكها.

 

لكنك على الرغم من ذلك، يمكنك أن تدرك كافة تفاصيل ذلك العرض العَجِّل من شريط حياتك التي على وشك الحصول على وصف "بائدة". فتطلع على البداية التي كُتبت حروفها الأولى قبل سنوات، حينما كنت تحبو بأحلامك فوق بساط من السرر، غير آبه بما ستؤول له تلك الأحلام في نهاية المطاف.

 

وقتها لم تكن لتدرك أين المنتهى ولا حتى كيف سيكون؟!، ومن هُنا فقط، تتحرك خيوط اللعبة بالكامل بعيداً عنك؛ لتُسَيِّر، من خلال سيناريو الواقع، أحداث عرض حياتك البائس غير متجدد.

يغلق المشهد الأول ويفتح جديدا بعموم ظلام دامس، ثم انقشاعه على مُسطحٍ ناصع الاخضرار تحت سماء سانت كاترينا المتلألئة، هُناك، لا يعلو صوت فوق أصداء الجماهير، سوى صوت صافرة النهاية

 

في الطائرة المنكوبة، مر شريط الحياة على عجلة من أمره كالمعتاد في تلك اللحظات الوداعية، في المشهد الأول، يُفتح الكادر في ليلٍ داخلي نشط، هجمت فيه الفرحة على أرجاء المكان، وتنازعت على مُلك فراغ الهواء، مع الذرات وانتصرت.

 

الظُهور الأول لأبطال الرواية وضع داخل غرفهم، في مشهدٍ راقص على إيقاع ضربات قلوبهم المُبتهجة، يُطلقون فيه -بنبراتهم- ذات الأهازيج التي رافقتهم منذ مهد حُلمهم الأول في ذلك الوقت، كان قد خطى -حُلمهم- خطواته الأولى نحو التحقق، كان اليوم الأول لجمع ناتج محصول ما دأبوا سنوات على زرعه.

 

يغلق المشهد الأول ويفتح جديدا بعموم ظلام دامس، ثم انقشاعه على مُسطحٍ ناصع الاخضرار تحت سماء سانت كاترينا المتلألئة، هُناك، لا يعلو صوت فوق أصداء الجماهير، سوى صوت صافرة النهاية التي سمحت لسرب جديد من طيور الأحلام، أن يُرفرف بأجنحته فوق سُحب من الخيال.

 

في هذا الوقت شعر أبطالنا بأن جنان الواقع تنبسط -في تذلل- تحت أقدامهم. وأن شيئاً ما لن يعوقهم عن الإمساك بالطرف المادي من سراب أحلامهم. لكن الثابت الوحيد داخل ذاك الكون ألا ثبات.

 

في المشهد قبل الأخير، تعود الرؤية إلى حيثُ الأصل، ذات الغرفة، الأهازيج نفسها، الرقص عينه والنغماتُ ثابتة. للأحلام بهجة لا تتبدد ولا تتغير، فقط يختلف وقعها في النفس.

 

الموت في حد ذاته هو نهاية غير سعيدة لقصتك التي قضيتَ سنيناً تخلق أحداثها، وهو أقبح نهاية -ثابتة- في واقعنا المرير، ذاك الواقع الذي يتجسد كُلياً في طائرة شابيوكينسي المنكوبة

وفي نفوس كافة الحاضرين، رُسمت تخيلات لا حصر لها للخطوة الكبرى في طريق الوصول إلى منالهم؛ فالجَنات تحمل من الخيال ما يسع الجميع، وما من رابط أو لاجم لخيلِ الخيال هذا، سوى الموت.

 

ففي اللحظة التي كادت فيها عُقولهم أن تصل إلى جُزءٍ لا يُستهانُ به من تخيل النهاية السعيد لقصة حياتهم: حينما يذوب الذهب بين أيديهم من استعارة الفرحة بداخلهم، اقتحم ذاك الشبح العرض بدون إذن، وجعل تخيُلاتهم هباءً منثوراً، بعدما فرض الواقعية على دراما قصتهم.

 

الموتُ في الواقع لا يعرف النهايات السعيدة، ولا يعرف إسدال ستار العرض على مشهدٍ رومانسي خلاب، أو أن يسود ظلام الختام على خطوات مهدهدة فوق طريقٍ ممهد نحو غداً أفضل.

 

الموت في حد ذاته هو نهاية غير سعيدة لقصتك التي قضيتَ سنيناً تخلق أحداثها، وهو أقبح نهاية -ثابتة- في واقعنا المرير، ذاك الواقع الذي يتجسد كُلياً في طائرة شابيوكينسي المنكوبة، وما غير ذلك من اللحظات السعيدة ما هو إلا مشهد عابر في منتصف العرض، فاهنؤوا بهِ قبل انتهائه.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.