شعار قسم مدونات

عن الثورة المُغتصبة والخيارات القاتلة!

blogs - war
كثيراً ما تغنى مثقفو الثورة السورية ومنظروها بأنوثتها وتائها المربوطة وأصروا على أنها لطيفة كالإناث وجميلة كعذراء في خدرها، رافضين أن تُسمى باسم آخر وأن يُوصف ما يجري في سوريا منذ قرابة الست سنوات بالحرب الأهلية.

ومن أنوثة الثورة وتائها المربوطة ابدأ تدويني الأولى .. عن الثورة المُغتصبة والخيارات القاتلة التي يجد ذووها أنفسهم أمامها بعد أن اغتصبت ثورتهم، أو أُنثاهم الجميلة.

الأنثى التي عرفناها وتغنينا بجمالها وعفتها أُغتصبت ولم تعد عذراء، ولم يعد أمام ذويها خيارات كثيرة سوى الخيارات القاتلة والصعبة

انطلقت ثورتنا في منتصف شهر آذار قبل ما يزيد عن خمس سنوات إنطلاقة الأنثى التي استيقظت لتجد نفسها وسط مجتمع ذكوري ينظر إلى مفاتنها وجمالها نظرة الذئب المتربص بفريسته منتظراً أن تحين الفرصة المناسبة له لينقض عليها ويفترسها، فكابرت وحافظت على عفتها لفترة طويلة -نسبة للضغوضات التي تعرضت لها- على أمل أن يأتي فارس أحلامها على فرسه الأبيض وينتشلها إلى العالم الوردي الذي رسمته في مخيلتها، إلا أن انتظارها طال، وفارسها -سقوط النظام- تأخر، وازدادت الذئاب من حولها حتى نالوا منها مآربهم.

الأنثى التي عرفناها وتغنينا بجمالها وعفتها أُغتصبت ولم تعد عذراء، ولم يعد أمام ذويها خيارات كثيرة سوى الخيارات القاتلة والصعبة، فإما أن تتزوج مُغتصبها، أو تتزوج بشخص يريد أن يستغلها بحجة أنه سترها، أو أن تنتحر.

فثورة حلب اغتصبت حين حاصر عدوّها ذويها فوجدوا أنفسهم مُضطرين لأن يُهللوا ويرقصوا فرحين بزفاف ابنتهم “ثورتهم” على أرمل انفصل حديثاً عن جماعة تُكفر الديمقراطية وتعتبر طلابها مُشركين وتمنع الحرية أو تؤطرها كما يحلو لها.

وثورة منبج اغتصبت حين خطفتها جماعة تكفيرية وصبغتها بالسواد وأدخلت عليها كل زناة العصر باسم “الدولة الإسلامية”، وبالأمس فرح ذووها بزواجها من حلفاء عدوها الأول روسيا التي كانت ولا تزال تقتل السوريين بدعوى محاربة الإرهاب والإمارات الإسلامية.

وثورة الرقة ودير الزور المنسية لا زالت تُغتصب من قبل كل ذئاب البشرية، وينتظر ذووها أن يآتي من يفك قيدها ويحررها من ظلام أدعياء الدولة الإسلامية، ومن يدري ماذا ستكون هوية من سيظفر بها، أو يستر عليها إن كان في العمر بقية، أو ربما تنتحر وتستسلم للدولة الأسدية.

أما ثورة الجنوب فعوقبت بالحرمان، وأصبحت كالعانس التي مُنع عنها الأزواج لأنها كانت الشرارة، وها هي اليوم تنتظر مصير شقيقتها الحمصية التي قضت قهراً بعد أن وجدت نفسها وحيدة منسية.

وسط هذه الخيارات التي وجدنا أنفسنا أمامها نحن أبناء الثورة وذووها، نجد أنفسنا مُضطرين لاختيار أقلها مرارة والتخلي عن الكثير من أحلامنا الوردية التي رسمناها في الأيام الأولى من عمر ثورتنا، أو أن نُقر مُعترفين بأننا أصبحنا من أصحاب “الحلم المسروق” والثورة التي تحولت إلى صراع طائفي، أو حرب أهلية، أو العودة إلى “حضن الوطن” ونرجع لحكم دولة البعث الأسدية.

قد يتهمني البعض بالتشاؤم أو الهزيمة، وفي الحقيقة أنا أكثر من مُتشائم ومنهزم، كيف لا وأنا أجد نفسي مُضطراً للرقص في زفاف ثورة حلب التي اُغتصبت، على من ستر عليها وأنقذها من الموت المُحتّم وأنا أعلم يقيناً بأن عريسها الجديد سيُكفرني إن جاهرت برغبتي بسورية دولة مدنية ديمقراطية !

هي الخيارات القاتلة إذاً، خيارات وجدنا أنفسنا أمامها وأحلاها مر، نسبة لمبادئ ثورة الحرية والعدالة والتعددية

وفي ذات الوقت أجد نفسي مُمتناً وشاكراً له على إنقاذه ما يزيد عن 350 ألف من إخواني وأبناء مدينتي من الموت جوعاً أو المُصالحة أو الترحيل إلى الجارة إدلب كمن سبقوهم من أيتام العدية.

كذلك هو حال أبناء منبج التي نزعت عنها ثوب الاستعباد الذي فُرض عليها من قبل من يدعون أنهم رعاة الخلافة ودعاة الدولة الإسلامية، فجميعنا شاهد صورهم فرحين مُهللين بحريتهم التي نالوها على يد من تسبب بمقتل العشرات من أبنائهم في الغندورة والتوخار بقصف التحالف الدولي، ومن احتل مدن وقرى جيرانهم شمال حلب باسم سوريا والديمقراطية مستعيناً بحليف الأسد الذي ثاروا ضد حكمه، روسيا التي قتلت وشردت الآلاف من أيتام الثورة السورية.

هي الخيارات القاتلة إذاً، خيارات وجدنا أنفسنا أمامها وأحلاها مر، نسبة لمبادئ ثورة الحرية والعدالة والتعددية، ثورة بدأت ضد نظام الحزب الواحد والفئوية والطائفية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.