شعار قسم مدونات

الانتخابات القادمة بالمغرب من ينتصر التحكم أم الإصلاح؟

الانتخابات في المغرب

سيشهد المغرب في السابع من أكتوبر القادم حدثا سياسيا مصيريا في التاريخ المعاصر للمملكة، يمتمثل في الانتخابات البرلمانية وذلك قصد تشكيل مجلس النواب وحكومة جديدة. وما يميز هذه الانتخابات هو توقيتها المتزامن مع فترة تاريخية صعبة على الصعيدين الوطني والإقليمي.

وكان المغرب خرج من عنق الزجاجة إبان توهج الحراك العربي الذي نتج عنه حراك بصبغة مغربية خرج على إثره  متظاهرون من أكثر من خمسين مدينة تطالب بالعدالة والحرية وإسقاط الاستبداد والفساد، هذا الحراك استمر لعدة أشهر مما اضطر الدولة مرغمة اتباع سياسة النعامة والانحناء للعاصفة الإصلاحية ولمطالب الشباب، ودفعها إلى كتابة وثيقة دستورية جديدة ومتطورة عن سابقتها.

هناك وعي جماعي شعبي وشبابي وحتى رسمي بضرورة تبني الإصلاح التدريجي وتجنب ويلات العنف وتهديد السلم الاجتماعي

وتم إعادة توزيع بعض السلط  في الوثسقة المذكورة، تمثلت أساسا في تقليص بعض صلاحيات الملك وإسقاط صفة القداسة عنه.هذه الإصلاحات اعتبرت حينها شجاعة من العاهل المغربي وذكاء منه مكنا المغرب من تجنب الدخول في دوامة العنف خاصة بعدما تم تنظيم انتخابات تشريعية مبكرة شهد لها بنزهاتها وحيادية وزارة الداخلية صاحبة التاريخ الطويل في التحكم في نتائجها.

هذا السلوك السياسي للمخزن أو"الدولة العميقة" كان تكتيكا سياسيا ومناورة ضرورية لتجنب الصدام وتخفيف الغضب الشعبي. وأسفرت الانتخابات السابقة لأوانها عن فوز حزب العدالة والتنمية ذوالمرجعية الإسلامية مما خفف من احتقان الشارع وتلاشي حركة 20فبراير، وترك الفرصة للإصلاح من الداخل عن طريق المؤسسات والعمل السياسي المشروع دون الدخول في مد ثوري قد يؤدي إلى تغيير جذري في النظام السياسي المغربي.

كان هناك وعي جماعي شعبي وشبابي وحتى رسمي بضرورة تبني الإصلاح التدريجي وتجنب ويلات العنف وتهديد السلم الاجتماعي، وهذا ما يطلق عليه إعلاميا بالاستثناء المغربي، هذا الاستثناء بات تحت المجهر في الانتخابات القادمة، فالكل يراقب تحركات و تكتيكات الدولة ومدى حيادية وزارة الداخلية المشرفة على الانتخابات.

إنها فرصة تاريخية ومفصلية لاتعوض فيجب اقتناصها واستثمارها لترسيخ مسيرة التجربة الديمقراطية الهشة وتثبيت سكتها والقطع مع التحكم والاستبداد الناعم، وهنا تقع المسؤولية على الدولة في الحفاظ على هذه المكتسبات كما يجب أن تبتعد عن كل الشبهات السياسية التي قد تفسر عكس ذلك خاصة وأنها متهمة بتفضيل فصيل سياسي على آخر.

وما يدعم ذلك تعليقات بعض المراقبين والناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي حيث يرون أن الكثير من المؤشرات لا تبشر بخير ولا تدعوا للتفاؤل، فتحركات وزارة الداخلية تثير الكثير من التأويلات والقراءات التي تدق ناقوس الخطر بسبب إمكانية تراجع الديمقراطية الوليدة وتردد الدولة نحو تبني هذا الخيار.

 ومن بين هذه المؤشرات قيام وزارة الداخلية بمجموعة من الإجراءات التي تثيرالعديد من الاستفهامات؛ أهمها بلقنة المشهد الانتخابي بإنزال العتبة الانتخابية إلى 3% وعرقلة اللوائح الانتخابية الالكترونية خوفا من مشاركة واسعة للشباب المعروف بتوجهه المعارض للوبيات الفساد والأحزاب المصطنعة.

هذا السلوك يعكس خوف البعض من الفعل الانتخابي للشباب، كما قامت الداخلية أخيرا من منع بعض الشخصيات للترشح في هذا الاستحقاق كان أخرها السيد  لقباج عن حزب العدالة والتنمية، ومنع هذه الوزارة لاستطلاعات الرأي المرتبطة بالانتخابات القادمة خاصة أن كل نتائجها كانت تسفر عن تقدم ملحوظ للحزب الإسلامي المذكور.

حزب "الفايسبوك" يراقب الانتخابات وحركة 20 فبراير لم تمت، إنها الضامنة لنزاهة الانتخابات وأداة رادعة لأي تزوير الإرادة الشعبية

لكن أخطر المؤشرات هي إشارات بلاغ الديوان الملكي مؤخرا التي انتقدت خصمين لدودين لحزب السلطة المدلل الأصالة والمعاصرة، واعتبرها الكثيرون على مواقع التواصل الاجتماعي تدخلا واضحا في الصراع السياسي الحزبي، وإشارة يمكن قراءتها على عدم حيادية السلطة وخرق مبدأ التوازن وعدم اتخاذ نفس المسافة مع كل الفرقاء السياسيين مما يفسر بمساندة السلطة لهذا الحزب الذي ولد بشكل غير طبيعي وفي سياق تاريخي معين ليسيطر على المشهد السياسي.

لكن حركة 20فبراير والحراك المغربي قزما دوره خلال الربيع العربي مما اضطر عرابه السيد فؤاد عالي الهمة مستشار الملك حاليا للانسحاب من الحياة الحزبية، لكن سطوته ونفوذه مازالا يؤثران عليها كما يراها منتقدوه مما يعتبرونه تحكما واستبدادا ناعما يستغل قربه من السلطة، وبالتالي الخوف من التأثير على المزاج الانتخابي وانعدام مبدأ الشفافية، وتكافئ الفرص بين الأحزاب المشاركة مما قد يخلق حالة من التوتر وانعدام الاستقرار وتهديد السلم الاجتماعي.

لكننا نعيش في عصر المعلومة والصورة وكسر حاجز الخوف من طرف الشباب الذين يتمتعون بوعي سياسي كبير وقدرتهم على كشف أي مؤامرة قد تؤدي إلى تغير نتائج صناديق الاقتراع لصالح حزب معين، دون أن ننسى قدرتهم على التعبئة وسرعة النزول إلى الشارع والاحتجاج،  فحزب "الفايسبوك" يراقب وحركة 20 فبراير لم تمت، إنها الضامنة لنزاهة الانتخابات وأداة رادعة لأي قوة سياسية تريد هندسة نتائج الانتخابات على مزاجها وتزوير الإرادة الشعبية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.