شعار قسم مدونات

الديمقراطية بلغة أخرى

blogs - الكنيست
 
ما زالت الديمقراطية تُعرّف على أنها أفضل وأنجع الأنظمة وأكثرها استقراراً على مر التاريخ، حيث تمتاز بتوجه عادل ذي طابع ونمط يترتب ويتبلور على إستراتيجية وأيديولوجية فذة تلوح في الأفق السياسي. فالديمقراطية تعتمد على أسلوب حياة اجتماعي واقتصادي وسياسي يضمن حرية الفرد وحقوقه ويقوم على المساواة وحرية الرأي والفكر.

الديمقراطية تيار معتدل بلغة ولكنة واحدة، يهتف للحرية وضمان الحقوق، إلا أنه في زماننا هذا اختلفت الموازين، فأصبحت لكل نظام لغة وتعريف مختلف من دولة إلى أخرى، وقد تكون هذه اللغات مختلفة عن مبدأ وجوهر لغة النظام الأساسية، وهذا أدى إلى مناخ سياسي غير مستقر في العديد من الدول، وزعزع استقرار البعض. هذا هو الواقع السياسي الذي يعكس توجه بعض الدول، خاصة في الشرق الأوسط.

 

ديمقراطية إسرائيل هذه الأيام تنتج حالة استثنائية مفصلية وانتقالية، حيث إن القوانين التي تم إقرارها وتمريرها مؤخراً تؤشر إلى جو غير مفهوم ضمناً يضع الديمقراطية في حيّز الشك وتحت المجهر

إذا أتينا إلى محيطنا القريب، وبنظرة أعمق إلى إسرائيل، نرى حديثاً ديمقراطيا بلغة أخرى. إسرائيل على مدار العقود اختلفت وتنوعت لغات ديمقراطيتها، لكن نرى في السنوات الأخيرة أن هناك تنوعا واختلافا راديكاليا ملحوظا وغير مسبوق، وفي ظل النضوج والوعي السياسي نستطيع أن نميز هذا الاختلاف.


في مفهوم ديمقراطية دولة إسرائيل هذه الأيام تنتج حالة استثنائية مفصلية وانتقالية، تؤشر إلى أن هناك توترا يسود في الجو الديمقراطي العام، خاصة في أروقة الكنيست وبين أوساط السياسيين، حيث إن القوانين التي تم إقرارها وتمريرها مؤخراً بالقراءة الثانية والثالثة تؤشر إلى جو غير مفهوم ضمناً يضع الديمقراطية في حيّز الشك وتحت المجهر.

هذه القوانين تحمل صبغة مركبة وكولونيالية رجحت كافة الموازين، وجذبت الرأي العام إلى الاستغراب والاستنفار، وحلقت به إلى التخبط بين مؤيد ومعارض.

سلسلة هذه القوانين تشن هجمة شرسة على الديمقراطية، صحيح أنها مرت وأقرت بشكل ديمقراطي، لكنها تتنافى مع الديمقراطية الحقيقية، والسبب الوحيد في تمريرها هو انتهاج بعض النواب سياسة انتهاز الفرص واستغلال بعض المواقف تحت ذريعة الضغط الجماهيري.

مثال على ذلك، قانون الإقصاء الذي تم تمريره في ظل خطاب النائبة زعبي الذي أثار ضجة عارمة وموجات غضب في الشارع الإسرائيلي، وقانون الجمعيات حيث رأى البعض أن هذه القوانين مجرد ملاحقة سياسية للنواب والجمعيات أيضاً.

ينص قانون الإقصاء على إبعاد أي نائب عن البرلمان نتيجة موقف معين، وهذا بشرط موافقة وتصويت تسعين نائبا، هذا الأمر يتناقض ويتنافى مع الديمقراطية ويخلق ديمقراطية ذات لغة أخرى، صحيح أن عملية التصويت هذه ستكون ديمقراطية، لكن من غير المعقول والمنطقي أن يتم إبعاد وإقصاء نائب يمثل شريحة جمهور واسعة انتخبته كي يمثلها على أيدي نائب وزميل له في البرلمان، فتعطى له صلاحية تقرير مصيره ومصير جمهوره، هذا يتنافى ويتناقض مع الديمقراطية الحقيقية.
 

مهما مر من الزمان ومهما خذلتنا الظروف، فلا بد أن تُعيد الديمقراطية أدراجها ولن تهزمها أي لغة أخرى

كذلك قانون الجمعيات الذي يفرض على كل جمعية مسجلة أن تكشف عن مصادر تمويلها ودعمها، وهذا القانون من جهة يدعم الشفافية والمصداقية، ومن جهة أخرى يفرض ملاحقة سياسية لتضييق الخناق على عمل هذه الجمعيات.

دولة إسرائيل هي الدولة الأكثر ديمقراطية في الشرق الأوسط، لكن هذا لا يعطيها الصلاحية في تغيير الصبغة الديمقراطية، عليها أن تقارن نفسها مع الدول الغربية، هذه المقارنة ستفرض تحديا جديدا لها وحتما ستعيد الصبغة الأساسية لديمقراطيتها.

مهما مر من الزمان، ومهما خذلتنا الظروف، فلا بد أن تُعيد الديمقراطية أدراجها، ولن تهزمها أي لغة أخرى.

أنا على يقين بأننا جميعاً نحمل قاسما مشتركا وهموما مشتركة بين الهم اليومي والقضايا الكبرى، خلقنا لنعيش سويةً هنا وعلينا أن نتعاون ونتأقلم كي نعمل على إعادة أمجاد هذه الديمقراطية من أجل تفكيك الهموم، ومن أجل المساواة، ومن أجل السلام، ومن أجل الإنسانية.

قد تكون للسياسة دروب ملتوية، لكن درب الديمقراطية يخلو من الالتواء، ووقت مداواة جروح الديمقراطية قد حان.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.