شعار قسم مدونات

كـصوماليين.. نناقض قانون عدم التناقض

blogs - Bedouin
قد يتوقف فهم الحاضر بالرجوع الى الماضي، كما يتوقف فهم الماضي أحيانا بمعرفة الحاضر. تقول الأستاذة روث بندكت في كتابها Patterns of Culure: "إن الصفات في أي مجتمع هي كالعناصر التى يتألف منها المركب الكيماوي، إذ هي تتفاعل وتترابط بينها بحيث يظهر من جراء ذلك، شيء جديد يختلف في صفاته عن صفات العناصر المكونه له، وهذا هو ما أطلقنا عليه اسم الشخصية المجتمعية".

المجتمع البدوي تقوم شخصيته على الاستحواذ والأخذ عكس شخصية الإنسان الحضري التي تقوم شخصيته على الإنتاج لأنه يعلم يقيناً إن لم يكن منتجاً فمجتمعه لن يرحمه. الإنتاج عند الإنسان الحضري المتمثل في احتراف مهنة كان ينظر لها الإنسان البدوي نظرة دون المستوى، ويقال إن أصل كلمة مهنة عند العرب هي من الامتهان، أو المهانة، وكانت تعبّر عن النظرة الدونية لأصحاب الحرف اليدوية. تلك نقطه يجب أن نقف عندها، وأيضا ثمة جزئية أخرى تستحق أن نمعن النظر فيها.

ابن البادية سكن المدينة وانتقل إليها بجسده، ولا تزال هواجس الصراع من أجل البقاء تراوده ويجدها الحل الأمثل.

كثيرا ما كانت مشكلة البدو أنهم لا يستطيعون اقتسام مواطن العشب والماء مع الجميع، فأماكن العشب والماء قليلة بالنسبة إلى عددهم المتزايد وهم مضطرون أن يتنازعوا عليها بالسيف وكل ما أتوا من قوة. 


يقول المؤرخ Philip Hitti: 
"إن القتال في البادية هو صمام الأمان يمنع سكانها من التكاثر فوق الحد المكافئ لمواردها الشحيحة. فما دام سكان البادية بوجة عام لا يستطيعون تكثير الموارد فيها، فالطريق المفتوح أمامهم إذن هو أن يقللوا من العائشين عليها، وهذا يحدث عاده في معارك الغزو، حيث يسقط القتلى فيها بين كل حين وآخر".  فــداخل كل عقل عربي يسكن عمرو ابن كلثوم يردد شعره: 
لـنَا الـدُّنْيَا ومَنْ أمْسَى عَلَيْها .. ونَـبْطِشُ حَيِنَ نَبْطِشُ قَادِرِينا
بُـغَاةٌ ظَـاِلَمينَ وَمَـا ظُلِمْنَا … وَلـكِـنَّا سَـنَـبْدَأُ ظَـاِلِميِنَا
مَـلأْنَا البَـرَّ حَتَّى ضَاقَ عَنَّـا… وَظَهرَ البَحْـرِ نَمْلَـؤُهُ سَفِيْنَـا
إِذَا بَلَـغَ الفِطَـامَ لَنَا صَبِـيٌّ … تَخِـرُّ لَهُ الجَبَـابِرُ سَاجِديْنَـا

نظل ندور هكذا في حلقة مفرغة ودوّامة لا تنتهي، لا نتطور لأننا منشغلون ببعض، ننافس بعض، ونعرقل بعضنا البعض وقس على ذلك مجتمعا بأكمله.

يتحدث دون وعي بلسانه، يمجد قبيلته ويردد أشعارها التي ظلوا يتوارثونها أجيالا وأجيالا، وضلوا بسببها، وجل مشكلاتنا هي أننا ما زلنا نعيش بعقلية ابن القبيلة البار. في العصور السابقه كان الإنسان يعيش عالة على الأرض وخيراتها البارزة، فأغلب القبائل كانت تعيش على الرعي معتمده على خصب التربة وتوافر الماء والعشب. فإذا وجدت القبيلة في أرض قاحلة أو قليلة الخصب، فغالبا ما تتخذ في هذه الحالة الرعي الوسيلة الأولى لكسب عيشها والتنقل من مكان إلى آخر طلباً للماء والعشب، مما يجعلها تصطدم غالبا مع القبائل صاحبة الأرض الخصبة فتصبح النتيجة صدام مسلح وصراع من أجل البقاء.

ابن البادية سكن المدينة وانتقل إليها بجسده، ولا تزال هواجس الصراع من أجل البقاء تراوده ويجدها الحل الأمثل، صراع على السلطة، صراع على التجارة، صراع على المجد، صراع على كتابة التاريخ صراع على كل شيء. صراع حتى وإن كانت بعض مشاكلنا ستحل دون صراع. صراع حتى وإن خفت حدته ولم يعد صدام مسلح كما كان صراع لا ينتهي، قد ننتهي كشعب وصراعنا لا ينتهى. يتمركز حول ثقافة الأخذ.

هنالك قانون يُسمى قانون عدم التناقض، وهو أحد قوانين الفكر التي وضعها المُفكر أرسطو، مغزى هذا القانون أن الشيء لا يمكن أن يتصف بصفة ما ونقيضها في آن واحد؛ أي أن الشيء لا يمكن أو يكون (أ) و (لا أ) في نفس الوقت. مثال للتوضيح: الكتاب لا يمكن أن يكون مفتوحا وغير مفتوح في نفس الوقت.

تراجعنا لأننا مسلمون بالظاهر وبدو بالباطن، شخصياتنا تترنح بين النقيضين، فباعتقادي وأجزم بصحة اعتقادي، أنه لا يجب أن نناقض قانون عدم التناقض.

نحن مجتمع اعتاد على ثقافة الأخذ، ومازلنا نمارس ثقافة الأخذ، كيف لنا أن نصبح في ليلة وضحاها مجتمعا أفراده يمارسون ثقافة العطاء أو يصل إلى مرحلة يتساوى فيها الأخذ مع العطاء، لا يمكن أن يحدث هذا الشيء.

ثقافة لم نألفها، لم نعتد عليها، وكل ما لم تعتد عليه لا يمكنك أن تجيده حتى وإن تصنعت هذا الشيء، يجب أن نفهم أننا إذا لم نتغير، فلا شيء سيتغير. واحدة من الأمور التي تثبت أننا لم نتغير ولن نتغير في القريب العاجل، هي حبنا المفرط للرئاسة، معروف أن البدوي من أكثر الناس حبا للرئاسة والإمرة، وأكثرهم نفره من الطاعة والانصياع وقد جاء في امثال العرب قولهم: "الإمارة ولو على الحجارة".

إن الإمرة في نظر البدو علامة الغلبة، والطاعة علامة المغلوبية، نظرة الإنسان البدوي للطاعة على أنها علامة المغلوبية، وحبه للرئاسة يجعله من الصعب ان يقبل أو يكون على وفاق واستقرار، فهو على مستوى داخل القبيلة الواحدة يحدث التنافس والخصام بين رؤساء الأفخاذ، وقد ينشب القتال بينهم ويطلق عليها (التنافس على الرئاسة). ونظل ندور هكذا في حلقة مفرغة ودوّامة لا تنتهي، لا نتطور لأننا منشغلون ببعض، ننافس بعض، ونعرقل بعضنا البعض وقس على ذلك مجتمعا بأكمله.

تراجعنا لأننا مسلمون بالظاهر وبدو بالباطن، شخصياتنا تترنح بين النقيضين، فباعتقادي وأجزم بصحة اعتقادي، أنه لا يجب أن نناقض قانون عدم التناقض، لا يمكن أن نتصف بالشيء ونقيضه، إما أن نكون مسلمون يتبعون تعاليم دينهم ويطبقونه أو أن نرجع لجاهليتنا الأولى وندور في فلكها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.