شعار قسم مدونات

كيف تصبح "صحافيا" ناجحا في 3 أيام !

blogs-صحافة
ظهور عدد كبير من القنوات التلفزيونية في الدول العربية، أتاح الفرصة لطلبة الإعلام ومحبي مهنة المتاعب للعمل بها، خاصة تلك التابعة للقطاع الخاص، بعد أن كان العمل في التلفزيونات الحكومية في وقت سابق، مجرد حلم للشباب العربي، بما أن باب التوظيف فيها مفتوح لعدد قليل من المناصب.
 

الفرصة أيضا كانت مواتية لظهور بعض مراكز التدريب الإعلامية ممن تتحايل على المشاركين، بتنظيمها دورات تكوين صحافية تقول أنها "احترافية" لكن خلال 3 أيام فقط، ثم تمنحهم شهادات "كرتونية"، تزعم أنها معترف بها دوليا، في حين أنّ الصحفي "المدرب" في حد ذاته يحتاج لدورة تكوينية حتى يصحح أخطاءه اللغوية التي يقع فيها خلال تقديمه البرامج والنشرات الإخبارية.
 

حتى الإعلاميين الكبار الذين يصنعون نجاحات أكبر القنوات العالمية، هم في حاجة لتكوين مستمر ودائم للتأقلم مع التطور التكنولوجي

منذ سنوات، شاركت في دورة تدريبية نظمتها احدى مؤسسات التدريب الخاصة بالصحافة في الجزائر، أبعد أن وجدت اعلانا لها عبر الجرائد، حيث يخيل لقارئه في البداية أنه سيصبح نجما إعلاميا كبيرا مباشرة بعد مشاركته في "التربصات المغلقة" التي تنتهي قبل أن تبدأ، فيما يخرج الطالب من الدورة كما دخل، حاملا معه قرصا مضغوطا ومبتهجا بصور "السيلفي" للذكرى، ومقتسما الحلوى و"التورته" مع "مدربين"، همّهم الوحيد جمع الأموال وضرب جيوب الطلبة، وكنت انا ضحية من بينهم .
 

رغم هذه "الرداءة" الإعلامية، هناك من المراكز التدريبية في الوطن العربي من تعمل باحترافية، مثل مركز "الجزيرة" للتدريب والتطوير ، وتستقطب أبرز الإعلاميين على الساحة العربية، كما تصارح المترشح قبل مشاركته في الدورة بأنه سيخوض رسكلة نظرية وتطبيقية لن يخرج منها "صحافيا"
 

فالصحافة موهبة قبل أن تكون مهنة، و لا تدرس خلال ايام، وحتى الإعلاميين الكبار الذين يصنعون نجاحات أكبر القنوات العالمية، هم في حاجة لتكوين مستمر ودائم للتأقلم مع التطور التكنولوجي على مستوى المعدات والأجهزة داخل الاستوديوهات أو حتى في المراسلات الميدانية
 

المشكل كذلك هو أن المتخرجين من هذه المراكز التدريبية رجالا ونسوانا، يتم توظيفهم بعد ذلك في المحطات التلفزيونية، وهنا يطرح المستوى المهني لعدد منهم تساؤلات كثيرة، نظرا للأخطاء اللغوية والنحوية التي يقعون فيها خلال تقديمهم للبرامج وكذا النشرات والتقارير الإخبارية.
 

مذيع في إحدى القنوات التلفزيونية، وخلال تقديمه للأخبار التي تزامنت مع موسم الحج، قال "إن الحجاج يستعدون لنحر "الهدى" (الايمان) وليس "الهدي"، بما أنه لا يفرق بين الكلمتين، رغم امتلاكه شهادة تكوينية، فتسبب المذيع هنا في "نحر" اللغة العربية من الوريد الى الوريد. صحفية أخرى لها من سيول "اللايكات" على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" ما تملأ البحر إذا جفّ، حاولت تقليد صوت مذيعة قناة "الجزيرة" خديجة بن قنة، أثناء تقديمها الأخبار، فضاع صوت المذيعة "المخنوق" وضيعت معه تنوين الحروف، فكسرت الضمة وفتحة الكسرة، وفعلت بالعربية ما لا يفعله الأعجمي بلغة أهل الجنة!!
 

الإعلامي هو الذي يمرّ على جميع المحطات من إعداد التقارير والتحقيقات والمراسلات والتغطيات الميدانية ليصل لمحطة إذاعة الأخبار

وأنا أتابع حوارا عبر محطة تلفزيونية، مع سفير سابق للولايات المتحدة الأمريكية في دولة عربية (يحسن تكلم لغة الضّاد)، لم أستطع فهم أن كانت الصحفية تتكلم بالفارسية ام ان السفير "عربي" وليس من دولة انجلوسكسونية، نظرا للأخطاء النحوية التي سقطت فيها الصحفية ، و"الآهات المزعجة" التي ربطت بها كلماتها، في حين كان السفير الأمريكي يجيبها بلسان عربي فصيح طليق، ويضبط لها المصطلحات السياسية.
 

ليس كل صحفي يظهر على الشاشة إعلامي، بل الإعلامي هو الذي يمرّ على جميع المحطات من إعداد التقارير والريبورتاجات والتحقيقات الاستقصائية والمراسلات والتغطيات الميدانية، ليصل لمحطة إذاعة الأخبار، وليس هو من يملك شهادة في الصحافة فقط، هذا الأمر يعود بنا لما قاله الإعلامي الكبير في قناة "الجزيرة" أحمد منصور، عندما سئل عن الإضافة التي قدّمها للإعلام العربي بعد مسيرة إعلامية فاقت الربع قرن، فأجاب "أنه لا يزال صحفيا "هاويا" في قناة استطاعت أن تقلب الأنظمة العربية الفاسدة على أعقابها

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.