شعار قسم مدونات

كفى بالموت واعظا

blogs - abbas

مشغول بانشغال الناس بالرئيس عباس.. ما المشكلة في تقديم العزاء؟

يبدو لي الأمر بديهيا أو مبرراً، لقد كان عباس وبيريز على تواصل حميم لسنوات، وتشاركا سويا صياغة أوسلو التي تولى بيريز المسؤولية عن تنفيذها فعليا بحكم اغتيال رابين بعد وقت قصير من التوقيع، توليا رئاسة الوزراء، ثم الرئاسة، وبقيا بلا قطيعة في أحلك ظروف الانتفاضات والحصارات والحروب، فلِمَ يقاطع عباس بيريز بعد موته؟!
 

هل من الواجب وقد انقلبت المعايير والتُبس على الناس أن نجرم العزاء أم نتفهم أنه أمر طبيعي؟
لقد كان الرئيس متسقاً مع نفسه وخطواته وتصريحاته بالمشاركة رغم التوقيت الذي يخدم المقاطعة من حيث تعثر أي جهود للتسوية، وتوقف المفاوضات منذ سنوات، ودخول هبة القدس الشعبية عامها الثاني، وتزامن الذكرى السادسة عشر للانتفاضة الثانية، ومطالبات شعبية وفصائلية ملحة لوقف التنسيق الأمني.. إلخ.
 

كان الوجود العربي "مصر – الأردن" مرتبطاً باتفاقية سلام وهو الذي لم يتحقق في حالتنا الفلسطينية، وكان عباس الرئيس العربي الوحيد، بينما حافظ نواب الكنيست العرب على العلاقة الطبيعية بين أصحاب الأرض الأصليين والمحتل.
 

شارك الرئيس إذا.. شارك رئيس دولة تحت احتلال في عزاء رئيس دولة الاحتلال مصطحبا أمين سر منظمة التحرير!! شارك الرئيس بعد موافقة المحتل على طلب تصريح لدخول القدس ليس من أجل الصلاة ولا تفقد المقدسات، ليس من أجل الاستماع لهموم المقدسيين من هدم واعتقالات واعدامات وضرائب، ليس من رسائل يقدمها خلال الزيارة، كل الرسائل احتكرها نتنياهو، لقد حشد زعماء العالم في القدس -ورحب بهم دون عباس- واستعرض مناقب الراحل في فرض أمن إسرائيل على جثث الفلسطينيين أمام رئيسهم الجالس في الصف الأول.
 

لا أحد يفهم في السياسة غير القيادة الفلسطينية تحتكر الصوت كما تحتكر قيادات أخرى الوطنية، مثلما يتحدث كثيرون عن مرارة القهوة فقط لأنهم لا يجيدون صنعها

ويعرف نتنياهو ماذا يقول جيداً، قبل أيام قليلة فقط كان يهاجم الأمم المتحدة أمام العالم أجمع من فوق منبرها، مستنكراً تجني المنظمة على دولته بعشرات القرارات -التي يلتزم بأي منها- مشيداً بتطبيع العرب معه .
 

تجرأ الشباب في غضبهم على خطوة الرئيس ولحقهم قائمة طويلة شملت بعض قيادات حركته، قد يكون ذلك من حاجتنا إلى إجماع، أي إجماع؟! بعدما أنهكتنا الخلافات، وغاب مشروع حقيقي للتحرر، فغزة محاصرة بعد أكثر من عقد على إعادة الانتشار، وتحملت مقاومتها عبء الإدارة ورُكنت في زاوية صد العدوان، وضاع أبدع الشباب في انتظار فرج موعود.
 

وفي الضفة يدخل أصغر جندي أكبر مدينة ليعتقل أو يقتل أهم شخص، وأنبل الشباب يعدمون على أسْفه الحواجز بأتفه الحجج، وغُيِّب شعبنا في الداخل المحتل عن القضية، وأقصيت قيادته عن القرار الفلسطيني، فيما بقي فلسطينيو الشتات يصارعون تفاصيل حياتهم اليومية -المؤقتة- وحدهم.
 

تزداد الفجوة بين سماسرة ال VIP، التجار، القادة.. والمواطن البسيط، يزداد ذاك لامبالاة "ويتشحطط" هذا بين الحواجز، على المعابر، وراء التصريح، على بعد أمتار من أرضه، لايحب هؤلاء نقد القيادة حتى لايخسروا مصالحهم، لايحب أحد السماسرة تغيير الأمر الواقع حتى لا تنهار المنظومة الشخصية والعامة المبنية أصلا "بالشقلوب".

لا أحد يفهم في السياسة غير القيادة الفلسطينية تحتكر الصوت كما تحتكر قيادات أخرى الوطنية، مثلما يتحدث كثيرون عن مرارة القهوة فقط لأنهم لا يجيدون صنعها.سيادة الرئيس.. لو لم يتعرض اللواء ماجد فرج لحادث هل كنت لتزور المحرر البطل مالك القاضي؟ سيادة الرئيس.. هل ستسمح لك إسرائيل بعد عمر طويل أن تدفن في القدس؟ هل سيقدم أحدهم العزاء فيك؟ أم سيقولون إنهم تخلصوا من عدو كما عرفات.

سيادة الرئيس.. يقولون في بيوت العزاء "كفى بالموت واعظا".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.