شعار قسم مدونات

إسلام بدون خلافة.. أفضل

blogs - mosque

الحكم الإسلامي أو الحكم بما أنزل الله حلم في نفس كل مسلم، فمنهم من يتمنى تحققه ومنهم من يسعى إلى تحقيقه، وبالنظر الاستقرائي عبر منظور الإسلام السياسي للتاريخ العربي القريب منه وما ليس منه ببعيد، نجد أن الفشل ما يزال حليف أي مشروع حضاري أو قيَمي يضع العرب أصابعهم فيه.

فلم تستطع الأحزاب أو الحركات الإسلامية تقديم أي مشروع سياسي ذو طابع إسلامي ناجح، وفشلت جميعها سواءً أكانت في المعارضة أم في السلطة، ولم تقدم للشعوب التي تنادي باسمها سوى الوبال والنكبات، والبؤس والفاقة إضافة لوسم الإرهاب، ولكننا في المقابل نجد أن التجربة التركية الإسلامية وبعد محاولات مريرة جوبهت بالتشويه ثم التشكيك وصولاً للحظر، استطاعت أن تنتقل من الاغتراب للاختراق ومن الظلال إلى النور، ثم انتزاع الترحيب من العالم والإشادة من الفاتيكان.

انطلاقاً من الجدلية التاريخية هل الإمارة الإسلامية أو الخلافة هي الطريق الوحيد أو الأفضل لتطبيق الشرع الإلهي؟

إن تمام الدين في السطور لا يغني عن تمامه في الصدور، إن جُّل اهتمامَ الدين قد صُب على الفرد حتى يقطفَ المجتمع ثمار صلاح أفراده.

فتلك هي أحد البلدان التي ترفع التشريع الإسلامي اسماً ورسماً وفيها من المظالم والمنهيات ما يملأ جوانب الليل والنهار، ويُشبع هوى الغرائز النزاعة للشوى من زهرة الحياة الدنيا، ثم ينبح إعلامهم بصور الصلاح المكذوب والتقوى المصطنعة، وبالضد تُعرف الأشياء فهناك في أوربا من المسلمين من قبض على جمرة دينه رغم وجوده في مناخ فاسد وحكومات لا تعترف بالإسلام أصلاً ولا بالمسلمين فرعاً.

ولو أن النبي الكريم محمد بن عبد الله قد فهم الدين على ما يفهمه القاصرون اليوم من رواد الخلافة، لكان إعتلى صهوتها بعد أن عرضت عليه قريش ذلك "إن كان يريد ملكاً ملكناه علينا وإن كان يريداً مالاً جمعنا له حتى يكون أغنانا"، ولكنه كره أن يفرض الدين من قمة الهرم "المُلك"، وبدأ بالدعوة من القاعدة "الفرد".

وإنّ نصوص القرآن إذا استهديناها، وروحَه إذا استوحيناه تشير إلى ذلك فلا إكراه في الدين، وإن المحاججة العمياء بأن الدين بعد الرسول قد تم، وأن الركائز الأساسية للدولة الإسلامية قد قامت، إنما هو منقوص فكرياً لأن العقل يدرك الشيء بوجهه وتفصيله تارةً وبإجماله وعنوانه أُخرى، كما في الأدلة الآنية، فيدرك العلّة من جهة معلولها إدراكاً إجمالياً فيذعن بها.

وإن تمام الدين في السطور لا يغني عن تمامه في الصدور، إن جُّل اهتمامَ الدين قد صُب على الفرد حتى يقطفَ المجتمع ثمار صلاح أفراده، ومن النقائض التي تثير العجب أن ذلك النبي الكريم قد أفنى عمره في الدعوة إلى الله، وجمع الناس على التآخي في دينه والتعاون على حمل أعباء الحياة الكثيرة وهو لم ينل من حظوظ الدنيا أكثر مما يناله اليوم عامل يشتغل باليومية، ثم جاء أناس باسمه وباسم الدين المشرق الذي أبلغ رسالاته كاملة فتألهوا على الناس في الأرض وانتعلوا الدين بعد أن قلبوه ليجلسوا على كرسي الخلافة.

إن الإسلام لم يجعل كثرة العبادات السلوكية "الظاهرة" دليل تقى وعفاف، لأن القلب وحدة موضع التقوى واستقامة الضمير، وقد حذر النبي صلوات الله عليه من أقوام عبادتهم كثيرة وظواهرهم مغرية "تحقُرون صلاتكم إلى صلاتهم وقراءتكم لقراءتهم ويمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية"، وإذا عرفت لأحدهم صلاة فهي ضريبة أداها مرغماً ليمسك بها صلته المزورة بهذا الدين، وإن أولئك الطغاة قد صنعوا الفتاوى المغشوشة "اقتل" وخلطوا عباداتهم المزعومة "الجهاد" ببعض المسالك الاجتماعية "الفساد" حتى ظهرت الحاجة إلى سياسة الحكام الجدد "الخلفاء والأمراء" وكأنها تلبي الدين وتُقيم شرائعه.
 

يجب علينا الاهتمام بالإسلام المدني وليس الإسلام السياسي، أي أسلمة المجتمع وليس أسلمة الدولة، فنحن لا نريد أن نكون أمام تنازعات بين الدين كتعبير عن حاجة روحية وثقافية ومسلكية تجسد الهوية والوجود الإنساني في المجتمع وبين الدولة التي يجب أن تُكوّن كلوحة جامعة مانعة بعيدة عن الإلغائية تضم جميع التيارات، ولا يجب إقصاء أي مكون من مكونات النسيج الاجتماعي لبلد ما، كما يجب عدم استخدام الدين في الصراع السياسي الاجتماعي، ويجب علينا أن نهتم بجوهر الإسلام من خلال تفعيل المنظومة القيمية التي حض عليها في جميع المجالات، ولا داعي لرفع اللافتات الإسلامية دون وجود مضمون حقيقي لقيَمه في الفكر الفردي أو في السلوك الاجتماعي.
 

يجب علينا الخروج من حلم وأمل الخلافة التي باتت تفقأ العيون ببشاعتها، والبحث بعيداً عن حلول أخرى ذات أبعاد أعمق لتطبيق الشرع الإسلامي.

إن الخالق عز وجل قد أمر نبيه الكريم بالدعوة إلى دينه بالحكمة والموعظة الحسنة، فعندما أمنعُ الفجور والرذيلة والمظالم بتشريعات محدّثة "وإن كانت وضعية" مطبقة في بلاد أخرى، فأنا مع الدين ولست ضده، وعندما أضع قيوداً قانونية في أصول المعاملات الاجتماعية فإن ذلك من الحكمة وليس تهويناً للإسلام شكلاً أو موضوعاً، ومن الحكمة أيضاً أن يكون الحكم دون استثارة عواطف الجماهير وتملق غرائزها وإنما بالمنطق والتحليل، دون مخاطبة نوازعها العاطفية وإنما بالحقائق والإمكانيات، دون شحنها ضد من يختلف معها وإنما بالتلاقي، دون رفع الأيدي لتغير الخطأ وإنما بالتضامن معها، ودون ترهيب الناس وإنما بترغيبهم.

إن العالم الإسلامي قد خارت قواه المادية منذ أن جهل دينه وما يستهدفه هذا الدين للإنسانية من أمجاد وهدايات، وإن الإسلام لم يجعل التمكين في الدنيا أو الاستخلاف في الأرض أمراً تافهاً تدركه الشعوب الهزيلة أو الأمم التي لا قدرة لها على التعمير ولا كفاية لديها على التنظيم، ولما أصبحت شؤون الدنيا لا تزن عند المسلمين جناح بعوضة أصبحوا هم "شعوباً وحكومات" لا يزنون في نظر العالم جناح ذبابة، ولما فاتهم السبق فيها وأعجزهم النبوغ في علومها وفنونها، أفلت الزمام من أيديهم وأضحت سياسة العالم تدور بعيداً عنهم بل تدور للكيد بهم و المكر عليهم.

ذلك لأن الإسلام دين فردي المنطلق فهو اجتماعي الأثر، فلو أن كل إنسان قد عبد الله بحق وإخلاص لقطف المجتمع ككل ثمار صلاح أفراده، حيث أن إقبال المؤمن على الله وهو يوجه عمله إلى مرضاته يخفف من نوازع الاستكثار من المال، ومن حب التملك، وشهوة الاقتناء، وإظهار الثقة بالنفس عن طريق المباهاة، وإن الإيمان بالبعث والحساب يضعف من علاقة الإنسان بالشيء لذاته ويزيد من مسؤوليته عن هذا الشيء من حيث حاجة المجتمع إليه.

يجب علينا الخروج من حلم وأمل الخلافة التي باتت تفقأ العيون ببشاعتها، والبحث بعيداً عن حلول أخرى ذات أبعاد أعمق لتطبيق الشرع الإسلامي، ويجب علينا النظر بعين البصيرة للفكرة التي تقوم على الحل الوسطي الذي يعتمد نظاماً سياسياً مدنياً بقالب إسلامي غير معلن لا يستبعد من يختلف معه.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.