شعار قسم مدونات

معالم في الطريق إلى كربلاء

blogs - camels

انطلق الإمام الحسين وآل بيت النبي ﷺ صوب العراق؛ بعدما أخبر بن الزبير بأن لن يَسْلَمَ الحرم لاعتكافه فيه رافضاً بيعة يزيد، وكأنه قرأ المسطور في غد؛ فقد عدا لص الخلافة على المدينة فاستباحها ثلاثة أيام بلياليهن قتل فيها بقية المهاجرين والأنصار وأبنائهم واستحل نسائهم، ثم وجه جيشه إلى مكة فدك الكعبة وأحرقها ٦٤هجرية.
 

ورغم جرائمه فقد أوغل بعض أمويي الهوى من العلماء في تمجيده ورفعه إلى مقام "المبشرين" من النبي -وهو قتل ولده- في حديث فتح قبرص، علماً أنه سحب جيش المسلمين منها لتعود في حوزة روما البيزنطية ثلاثة قرون، وزعموا أنه لم يعلم ولم يأمر بقتل آل النبي وأنه صار يلعن بن مرجانة بعد أن وصلته الرأس الشريف، وأنه تكرم على نسائهم أن تنُحْنَ الحسين في قصره بالشام!
 

مما يهدر مزاعم الشيعة بوجود مؤامرة خاصة ضد آل البيت وشيعتهم، أن مظلوميتهم لم تكُ بدعاً أو استثناء مما حدث لبقية الصحابة والتابعين.

رغم أن القوم انقطعت أعناقهم في نفي حادثة السبي، وزعم آخرون أنه فرح ثم ندم، وآخرون أنه لام نفسه لعدم "العفو عن الحسين"، فكيف يُصَدّْق هذا الهزر، وعماله وقادته المجرمون كابن زياد وبن سعد وغيرهما بقوا في المناصب والأموال حتى دق المختار أعناقهم!
 

بل لقد أفرط بعضهم كما قال الشوكاني؛ فحكموا بأن الحسين باغ على الخمِّير السكير الهاتك لحرمة الشريعة المطهرة، يزيد بن معاوية!
 

إن استماتة هؤلاء في الدفاع عن أولئك الطغاة وتبني مواقفهم سواء عن قناعة أو "بقهر السلطان" كما قال الألوسي، وكما لا يغيب عن ذي حجا؛ لهو جريمة كفعل الرافضة، إذ ينسبون هذا الناصبي لأهل السنة رغم بغيه عليهم، والظلم لا دين له ولا مذهب، فهؤلاء لا يركنون إلى الذين ظلموا فحسب وإنما يوطئون لكل طاغية من ساعتها وحتى اليوم، ويفتاتون على السلف الذين نعتوه بالزندقة وشرب الخمر وفعل الفواحش فخرجوا عليه بالآلاف، فبينما كانت معه الشام، خرج المختار والأوابين في العراق، و ابن الزبير في الحجاز، وابن مطيع في المدينة.
 

وقد كان ترك الرواية عما شجر بين الصحابة "اجتهاداً" مفهوما ومبرراً من الأولين، فالأمر فتنة -عصم الله منها ألسنتنا- بين طائفتين لا يجوز بغضهما أو الوقوع فيهما، والخوض فيها يزكيها بلاشك، لكن استمرار ذلك كان استغلالا سياسياً من يزيد وبني أمية ليستتب الأمر لهم، فلم يكن عدوانهم على السلف فتنة بين الصحابة!! كما تركت هذه الفترة مفتوحة بلا رقيب للمؤرخين والرواة من غير توثيق وخاصة بعد ظهور الإخباريين الشيعة.
 

بينما قبل آخرون منهم مرويات من التاريخ لا أدري لم ولا كيف؟! لتبرير جرائم يزيد وغيره من ملوك أمية وعمالهم الظلمة كالحجاج بعد غلبتهم على الأمة -ولا أعني ما أسنده الثقات- وقبلوا أخرى غير معقولة تدين خصومهم، مع عدم ثبوت الأولى والآخرة!
 

كالزعم بأن المختار بن عبيد الله الثقفي ادعى الألوهية، بل تنبأ وزعم أن جبريل يقعد عن يمينه وإسرافيل عن شماله؟ وهذا تكفير له ولمن اتبعوه من شيعة علي، وهو تابعي تربى في حجر أمير المؤمنين وأبوه صحابي -مختلف فيه-، وإحدى امرأتيه ابنة النعمان بن البشير والأخرى ابنة سمرة بن جندب، وأخته زوج عبد الله بن عمر!

بل تعدى الأمر إلى الانتقاص من مقام أمير المؤمنين وولده الحسين وشيعتهما الأوائل -رضي الله عنهم- رغم أنهم صحابة وتابعون، ولا مستند لنفي انتسابهم للسنة؛ فضلا عن الإساءة إليهم!

ومما يدعو للعجب أن إماماً مجتهداً كابن تيمية؛ له أقوال فيها تزيد على مقام أمير المؤمنين، أو تفضيل ولده الحسن عليه، وفي تنزيل حديث قبرص على يزيد، رغم مخالفته للواقع ولشهادة الصحابة؛ ورغم الحديث الصحيح الصريح في رأس الستين وإمارة الغلمان السفهاء وهي سنة التوريث، وأحاديث أخرى متفاوتة الدرجة، والأعجب منه وهو النحرير المحقق أنه يصنف أقوال العلماء فيه إلى: مادح وذام ومتوسط! هكذا دون ترجيح وكأنه أتى بعجيبة العجائب فما من أحد إلا والناس فيه هكذا!

ومما يهدر مزاعم الشيعة بوجود مؤامرة خاصة ضد آل البيت وشيعتهم، أن مظلوميتهم لم تكُ بدعاً أو استثناء مما حدث لبقية الصحابة والتابعين؛ على يد البغاة ممن ينتسبون للأمة، فقُتلوا ذرافات ووحدانا؛ كعثمان وعلي، وأهل المدينة في موقعة الحرة وابن الأشعث وأئمة التابعين، لكن مذبحة الطف كانت الأكثر دموية وإجراما في حق الدين والتعدي على المقام الشريف ﷺ، إذ قَتَّلوا عترته ومثلوا بهم، وسَبَوا بناتهم وكشفوا حريمهم، وهو الذي عفا عن آبائهم بالأمس طلقاء.

وإنما كان استهدافهم أكثر لمكانتهم في قلوب المسلمين؛ وتأثيرهم فهم رموز الإباء ومنابذة الظالمين.
وكيف يكون من أصول السنة تعظيم الصحابة وتوقيرهم، حتى يكاد البعض يزلقونك بأبصارهم ويسلقونك بألسنة حداد إن ذكرت ولو دون تعد أو بغي؛ بعض أخطاء الصحابي معاوية أو غيره من الصحابة؛ بينا هم يبررون ليزيد قتل سادات الصحابة وآل البيت ويخطئونهم!

وإذا كان اعتقادنا في الصحابة أنهم بشر يخطئون لا يعطي لنا الحق في التجرؤ على مقاماتهم؛ فإن توقيرهم كذلك لا يعني تزييف الحقائق التاريخية وتأويلها بخلاف العقل والواقع وربما الشرع أحياناً؛ فكأننا استبدلنا اثنا عشر معصوما عند الرافضة، بآلاف المعصومين عندنا، وما العصمة إلا ادعاء عدم الخطأ ألبتة بدعوى "التأول" لهم؟ وما علاقة وضع الشيء في موضعه وتقرير الخطأ وتمييزه عن الصواب؛ بالإساءة والانتقاص؟! ثم لماذا لا يطرد الأصل في حق الإمام علي وبنيه وشيعتهم الأوائل؟!

لا أناقش هنا أسطورة التقريب بين الطائفتين بقدر ما أرنو لواقع ننتزع فيه فتيل العداء المفني أو نُقَلِلُ الاستهلاك الداخلي.

إن في ذلك لتعويق لمسيرة أمتنا المعاصرة نحو التحرر من الظلمة والمجرمين الذين يركعونها لأعدائها.

ورغم ما نسبته الشيعة وبعض المرويات في مصادرنا لمعاوية بن أبي سفيان من التهم والوقائع والادعاءات -ومنها الصحيح والمحتمل- إلا أنه ينبغي الاقتصار على ما صح وما لا يقبل الشك أو التأويل، لقول النبي ﷺ "على مثلها فاشهد"، والحق أن الصحبة تعني التوقير والإعذار ولكنها لا تعني تصويب الخطأ أو تبرير الجريمة، كما لم تعفي ماعزاً ولا الغامدية ولا المخزومية ولا عياض ولا حاطب، إذ كانت الجريمة جريمة، وبقيت المقامات محفوظة.

ولابد أن نقرر أن معاوية بن أبي سفيان طلب الملك ودعا لبيعة نفسه رغم وجود أمير مبايع، وقتل بعض الصحابة كحجر بن عدي ظلما، وأمر بسب آل البيت على المنابر، وهو ثابت في الصحيح، وورث الحكم لابنه يزيد عن غير كفاءة ولا استحقاق ولا مشورة من المسلمين.

ليس المراد هنا نبش القبور، وإنما ترسيخ الوعي والفهم القويم في نقد وقائع الحاضر على وزان حوادث التاريخ، ومنهجية معالجتها، وما جرى فيها وترتب عليها إلى اليوم، ومراقبة حركة التجمعات البشرية وقيام الدول وانهيارها، ودور العصبيات والعوامل الإنسانية والسياسية المختلفة، لتأسيس واقع مستقبلي يعيد لهذه الأمة مكانتها.

فإن من يعش منا حالة الاستضعاف وتسلط الطغاة؛ ليفهم جيدا كيف حوصرت فئة من هذه الأمة مبكراً؛ بتجريم من ينصر قادتها، وتشويه صورتها، وتزييف تاريخها، بل ودفعها لعداء الأمة والانجراف بعيداً عنها عقائدياً وفكرياً.

كما لا أناقش هنا أسطورة التقريب بين الطائفتين بقدر ما أرنو لواقع ننتزع فيه فتيل العداء المفني أو نُقَلِلُ الاستهلاك الداخلي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.