شعار قسم مدونات

لماذا نعارض ثورة الغلابة؟

blogs-ثورة مصر

تناقلت المعارضة في مصر العديد من الدعوات للمشاركة بتظاهرات الحادي عشر من نوفمبر القادم، وأطلقوا عليها "ثورة الغلابة"، ذلك الاسم الذي يذكرني بثورة يقال أنها الأولى في تاريخ العالم والتي قامت على الفرعون بيبي الثاني حسب ما ورد في بردية ايبوير بعد وجود حالة مجاعة وفقر في ذلك الزمن.

حاليا بدأت قوى المعارضة بالفعل في حشد الطبقات المطحونة طحنا بفعل الانهيار الاقتصادي الذي أدى لرفع الأسعار، وخاصة بعد تواتر الأنباء عن اتجاه عام بداخل البنك المركزي لتعويم الجنيه أملاً في خفض أسعار المنتجات المصرية بالخارج بالإضافة لزيادة عدد السياح ولكن على الصعيد الآخر سيرفع ذلك أسعار السلع (التي نستورد أغلبها) بالداخل.

تلعب المعارضة على استقطاب الطبقات الفقيرة لمساعدتها على قلب نظام الحكم ولكن هل يمتلك هؤلاء "الغلابة" الوعي الكافي لقيام بثورة؟

تلعب المعارضة على استقطاب الطبقات الفقيرة لمساعدتها على قلب نظام الحكم ولكن هل يمتلك هؤلاء "الغلابة" الوعي الكافي لقيام بثورة؟ أم هل تظن نخب المعارضة أن هؤلاء سيقلبون نظام الحكم ثم يسلمونهم مفاتيح الدولة على طبق من ذهب؟ ما الذي قد يدفعهم للثقة بالمعارضة على حساب السلطة إذا كانت كل مطالبهم تتلخص في الطعام و المأوى والملبس والمأكل؟

وإذا كانت قلة وعيهم تجعل تصنيفهم للناس مبنيا على قدر المال الممتلك لا على الخير أو الشر ولا على الديموقراطية أو الديكتاتورية ؟ ألم ير المعارضون نفس أولئك الأشخاص يذهبون للانتخاب فقط لأجل الحصول على عشرات من الجنيهات ؟ نعم شعار ثورة 25 من يناير بدأ بالعيش قبل الحرية و العدالة الاجتماعية ، بل إن الحرية و العدالة الاجتماعية يهدفان في النهاية إلى الحياة الكريمة التي نسعى إليها جميعنا.

ولكن لم ينزل أبدا الناس فقط لغلاء الأسعار أو لعدم توفر أنابيب الغاز أو أيا من المطالب المادية الأخرى، وإنما اشتعلت على يد شباب واعي مثقف وتبعها بقية الشعب لا العكس، بدأت ثورة الخامس و العشرين من يناير اعتراضا على استشهاد خالد سعيد، واعتراضا على التزوير الفج لانتخابات مجلس شعب 2010 و للعديد من العوامل الأخرى التي أدت للانفجار في النهاية و إن كان العيش أحد المطالب الأساسية فلم يكن المطلب الوحيد و بذلك يختلف الموقف كليا عن دعوات المعارضة الحالية.

إنني لا أنكر حماقة السياسات الاقتصادية التي نمر بها في مصر ولا أنكر آية مصائب أو كوارث نتجت عن فشل ملطخ بآثار الفساد، ولكن يجب ألا أن تعمينا بشاعة الموقف عن رؤية الطريق الصحيح ولا يجب أن نتصرف بطيش ناتج عن غضب سابق لعقولنا، حذارى أن تنسى المعارضة كون الثورة وسيلة للوصول، ويغيم الضباب على تلك الرؤية فتجعل المعارضة الثورة غاية في حد ذاتها، غاية تتحقق بشكل خاطئ يفسد الأمور بدلا من إصلاحها و يأكل الأخضر واليابس بدلا من إزالة الأعشاب الضارة المفسدة لحديقتنا.

حذارى أن يصبح الثوار بلا مبادئ ولا وعي ولا استراتيجية واضحة، وحذارى أن تقودهم بطونهم بدلا من تحفيزهم للمضي قدما تحت قيادة عقولهم.

الجوع انعكاس لفشل المنظومة، ولكننا لا نعارض بدافع تلك الانعكاسات وإنما بدافع المصادر المؤدية لها، ولو تغلب جوعنا على عقولنا سنذهب حينها لننهب المخابز ونشبع معداتنا بدلا من محاسبة كل فاسد تسبب بفساده و سرقته برفع سعر الخبز فالثورة بدون وعي مساوية للثمرة بدون ري.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.